للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفرق بين الكافر إذا أسلم والعبد إذا حدَّ ثم أعتق في الشهادة

«ولو حُدَّ الكافرُ في قذف ثم أسلم تُقبَل شهادته … بخلاف العبد إذا حُدَّ، ثم أُعتق» (١)، ثم أعتق، قد مرَّ وجه الفرق بينهما مُشبَعاً في [باب] (٢) حد القذف من كتاب الحدود (٣).

«لأنَّه لا شهادة للعبد أصلاً» (٤)؛ ولهذا لو شهد العبد ورد القاضي شهادته، ثم شهد بعد العتق في تلك الحالة يقبل، بخلاف الفاسق والزوج إذا ردت شهادتهما في حادثة، ثم شهداً فيها بعد التوبة والبينونة لا تقبل (٥).

ولو ضُرب الكافر بعض حده ثم أسلم؛ فإنَّه يقبل؛ لأن الضَّرب بعد الإسلام ليس بحدٍ حتى يتبعه تمامه، وهو الرد.

وحاصل الفرق بين العبد والكافر في مسألتنا، لما لم تكن له شهادة وقت إقامة الحد عليه، توقف تتميم ذلك الحد الذي أقيم عليه، وهو رد شهادته إلى وجود صلاحية الشَّهادة له، وهو ما بعد العتق، فأثر ذلك الحد في رد شهادته بعد العتاق.

وأمَّا الكافر فله شهادة فيما بين جنسه من الكفار وقت إقامة الحد عليه، فلاقى الحد محله في [التتميم] (٦) رد شهادته فيما بين جنسه، فلم يتوقف رد شهادته إلى شيء آخر، حيث أتمَّ حده برد شهادته فيما بين الكفار؛ فلما أسلم كان الإسلام له حياةً حادثةً بعد موته بالكفر، فيترتب عليه حكم المسلمين عليه ابتداء، ومن حُكم المسلمين قَبُول شهادتهم فيقبل شهادته ولذلك.

فإن قلتَ: فعلى ما ذكرت في تعليل مسألة العبد في رد شهادته بعد العتاق، يشكل من زنا من المسلمين في دار الحرب، ثم خرج إلى دار الإسلام، حيث لا يقام عليه حد الزنا، فتوقف حكم المؤثر في حق العبد إلى أن يوجد محله، ولم يتوقف في حق من زنا في دار الحرب، فما الفرق بينهما.

قلتُ: الفرق بينهما من حيث أنَّ الزنا هناك لم يقع موجباً للحد أصلاً، لما أنَّ إقامته إلى الإمام، وولاية الإمام منقطعةٌ عنه، فلو أقيم بعد خروجه إلى دار الإسلام كان إقامة لحد الزنا من غير موجب، إذ غير الموجب لا ينقلب موجباً في الحد؛ فلا يحد.

وأمَّا العبد فلم يكن أهلاً للشهادة، وتمام الحد برد الشَّهادة فيتوقف على ما بعد العتاق؛ لأنَّ ما يوجب أصله يوجب وصفه، [وتتمم] (٧) الحد من وصفه؛ فيجب [وصفه] (٨) أيضاً كوجوب أصله.

أو يقول: كانت له شهادة قبل العتق فيما بين المسلمين من وجه، حتى تقبل شهادته بهلال رمضان، وفي الديانات، وقد صارت شهادته هذه مجروحة بإقامة الحد عليه، فلا تقبل شهادته بعد ذلك في جميع المواضع؛ لأنَّها من جنس تلك الشَّهادة.

وذكر في المبسوط بعد ما ذكر من الفرق الذي ذكر في الكتاب، فقال:


(١) الهداية (٣/ ١٢٢).
(٢) سقط من: «ج».
(٣) الهداية (٢/ ٣٥٩).
(٤) الهداية (٣/ ١٢٢).
(٥) ينظر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٦٦).
(٦) في «ج»: [التتمم].
(٧) في «ج»: [وتتمم].
(٨) في «ج»: [وصفه فيجب].