للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهادة الحربي على الذمي]

«ولا تُقبل شَهادة الحربي على الذِّمي» (١)؛ وإنَّما أراد به المستأمن (٢)، وإنَّما قيد بهذا لعدم تصور شهادة الكافر الحربي على الذِّمي، لما أن الشَّهادة إنما تكون في مجلس القضاء، ومن شرط القضاء المصرفي دار الإسلام، فلو دخل الحربي دار الإسلام بغير استئمان يؤخذ قهراً فيُسترق؛ فتكون شهادته حينئذ شهادة عبدٍ، فلا تقبل شهادة عبد على أحد، فكيف تقبل على الذِّمي (٣).

«لأنَّه من أهل دارنا»؛ أي: لأن الذِّمي.

«وهو أعلى منه»؛ أي: الذِّمي أعلى من المستأمن؛ أي: أقرب إلى أهل الإسلام؛ لأنَّه قبل ما هو [خلف] الإسلام وهو الجزية.

ولأن المسلم يُقتل بالذِّمي قصاصاً، ولا يقتل المسلم بالمستأمن (٤).

وقوله: «بخلاف الذِّمي»، متصل بقوله: «وإن كانوا من دارين، كالروم والترك لا تقبل» (٥).

«لأن اختلاف الدارين يقطع الولاية» (٦)؛ أي: شهادة أهل الذِّمَّة بعضهم على بعض مقبولة وإن كانوا من منعات مختلفة؛ لأنَّهم صاروا من أهل دارنا حتى لا يمكنون من الرجوع إلى دار الحرب.

فلما كان كذلك صاروا بمنزلة المسلمين، وشهادة المسلمين مقبولة على أهل الذِّمَّة كلهم، وإن كانوا من منعات مختلفة؛ فكذلك شهادة بعضهم على بعض، لما أنَّ دار الإسلام لا تختلف [باختلاف] (٧) المنعة، بخلاف المستأمنين؛ حيث لا تقبل شهادة بعضهم على بعض إذا كانوا من أهل دارين، كالروم والترك؛ لأنَّ الولاية فيما بينهم تنقطع باختلاف المنعتين؛ ولهذا لا يجري التوارث؛ بخلاف دار الإسلام، فإنَّها دار حكم، فباختلاف المنعة لا تختلف الدار (٨).

فأمَّا دار الحرب، فليست بدار أحكام، فباختلاف المنعة تختلف الدار. إلى هذا أشار في المبسوط في باب الشَّهادة على الشَّهادة (٩).

«والرجل يجتنب الكبائر» (١٠)؛ أي: كلها، وقد ذكرنا تفسير الكبائر (١١).


(١) الهداية (٣/ ١٢٣).
(٢) المستأمن: من الاستئمان وهو طلب الأمان من العدو، هو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان.
ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه (١/ ٣٢٥)، أنيس الفقهاء (١/ ٦٦).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٢٥)، درر الحكام (٢/ ٣٧٦)، فتح القدير (٧/ ٤٢٠).
(٤) ينظر: فتح القدير (٧/ ٤٢٠)، لسان الحكام (١/ ٢٤٦).
(٥) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٦) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٧) في «س»: [باعتبار].
(٨) ينظر: لسان الحكام (١/ ٢٤٦).
(٩) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٣٩).
(١٠) الهداية شرح البداية (٣/ ١٢٤).
(١١) تقدم، ص (١٨٢).