للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب اليمين في الأكل والشرب]

وقد ذكرنا أنّ أوّل ما يحتاج إليه الإنسان المسكن، ثمّ بعده أوّل ما يحتاج إليه في حال البقاء الأكل والشرب، فشرع في بيان اليمين فيهما.

اعلم أنّ الأكل هو أن يوصل إلى جوفه ما يتأتى فيه المضغ (١) والهشم (٢) سواء مضغه ثم ابتلعه أو ابتلعه غير ممضوغ، والشُّرب هو أن يوصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه الهشم في حال وصوله مثل الماء واللبن.

وإذا كان في فمه شيء فحلف أن لا يأكل فابتلع الذي كان في فيه ذكر في فتاوى أبي الليث مسألة تدل على الحنث، وذكر الإمام الزندوسي -رحمه الله- أنّ الأكل والشّرب عبارة عن عمل الشفاه والحلق، والذوق عبارة عن عمل الشّفاه دون الحلق والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه. والمص (٣) عبارة عن عمل اللهاة (٤) خاصة، فعلى ما ذكره الزندوسي -رحمه الله- ينبغي أن لا يحنث بابتلاع ما كان في فمه وقت اليمين.

ولو حلف لا يأكل عنبًا أو رمّانًا فجعل يمضغه ويرمي بثفله (٥) وابتلع ماؤه لم يحنث لا في الأكل ولا في الشرب؛ لأن هذا يسمّى مصّاء ولا يسمّى أكلًا ولا شربًا (ولو حلف أن لا يأكل هذا اللبن، فشربه لا يحنث، وإنما يحنث إذا ثرد (٦) فيه، ولو حلف أن لا يشرب اللبن فثرد فيه فأكله لا يحنث، قالوا: هذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسيّة فأكل أو شرب كان حانثًا وعليه الفتوى) (٧) كذا في الذّخيرة وفتاوى قاضي خان -رحمه الله- (٨).


(١) المضغ هو: من مَضَغَ الطعام يَمضغُهُ ويَمضُغُهُ مَضغاً. والمَضاغُ بالفتح: ما يُمضَغُ.
انظر: الصحاح (٤/ ١٣٢٦)، مقاييس اللغة (٥/ ٣٣٠).
(٢) الهشم: هو كسر الشيء اليابس. يقال: هشم الثريد. انظر: الصحاح (٥/ ٢٠٥٨)، المغرب (١/ ٥٠٤).
(٣) المص: عبارة عن عمل الشفة خاصة. انظر: التعريفات (١/ ٢١٦).
(٤) اللهاةُ: اللَّحْمَةُ المُشْرِفَةُ على الحَلقِ، أو ما بين مُنقَطَعِ أصل اللسان إلى مُنقَطَعِ القلبِ من أعلى الفَمِ.
انظر: القاموس المحيط (١/ ١٣٣٣)، مجمل اللغة (١/ ٧٩٦).
(٥) ثفله: هو ما يتخلّف عن الغذاء عند الهضم والنضج.
انظر: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (١/ ٥٣٨).
(٦) ثَرُدَ: من الثَّرِيد وهو ما يُهشَمُ من الخُبزِ ويُبَلُّ بِمَاء القِدر وَغَيره.
انظر: تهذيب اللغة (١٤/ ٦٣)، الصحاح (٢/ ٤٥١)، (ثرد).
(٧) انظر فتاوى قاضي خان (٢/ ٢٧).
(٨) انظر: العناية (٥/ ١١٦).