للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ -رحمه الله- فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" (١): وامَّا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ؟ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى لَيْسَ بِعَوْرَةٍ؛ حَتَّى قَالَ فِيهِ: لَوِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ الْمَرْأَةِ أَسْفَلَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ أَوِ (٢) الرُّبُعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ (٣) لَا يُوَازِي الرَّأْسَ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّأْسِ؛ لَكِنْ مَعَ هَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ؛ بَلْ لِأَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ إِلَى شُعُورِهِنَّ فَتْنَةٌ، كَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ، أَوْ إِلَى شُعُورِ الْإِمَاءِ عَنْ شَهْوَةٍ، حَرَامٌ، إِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ: «مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٤) وَلِهَذَا (٥) الْمَعْنَى قَالَ مَشَايِخُنَا، تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ عَنْ كَشْفِ وَجْهِهَا، بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي رِوَايَةِ "الْمُنْتَقَى" (٦) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى؛ هُوَ عَوْرَةٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِلْفَتْوَى (٧).

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَإِنَّمَا وَضَعَ غَسْلَهُ) جَوَابُ إِشْكَالٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ -رحمه الله-: (هُوَ الصَّحِيحُ) بِأَنْ يُقَالُ: لَوْ كَانَ الشَّعْرُ النَّازِلُ مِنَ الرَّأْسِ عَوْرَةً، عَلَى مَا زَعِمْتَ (٨) إِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ بَدَنِهَا، وَبَدَنُهَا عَوْرَةٌ (٩) وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَدَنِهَا، بِدَلِيلِ سُقُوطِ غَسْلِهِ عَنْهَا فِي الْجِنَايَةِ، [فَيُقَالُ] (١٠) سُقُوطُ غَسْلِهِ لَا (١١) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَدَنِهَا، بَلْ هُوَ مِنْ بَدَنِهَا، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً، وَلَكِنَّ سُقُوطَ غَسْلِهِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَجِ، وَالْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، هِيَ الْقُبُلُ، وَالدُّبُرُ، عَلَى هَذَا الاخْتِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الاعْتِبَارَ فِي الانْكِشَافِ لِلرُّبُعِ، أَوْ لِلنِّصْفِ، وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ؛ حَتَّى لَوِ انْكَشَفَ رُبُعُ الذَّكَرِ، يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ الاعْتِبَارُ لِانْكِشَافِ النِّصْفِ، وَمَا فَوْقَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَبِمَجْمُوعِ هَذَا يَنْتَفِي (١٢) مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ اعْتِبَارِهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فِي الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ.


(١) ذكره صاحب " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ١٣٠).
(٢) في (ب): (و).
(٣) (لأنه): ساقطة من (ب) ..
(٤) لم أجده، لكن ورد هذا الوعيد فيمن استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون صب في أذنيه .. إلى آخره. أخرجه البخاري في"صحيحه" (٣/ ٦١٢)، كتاب التعبير، باب من كذب في حلمه، حديث (٦٧٨٨).
(٥) في (ب): (وبهذا).
(٦) نقله صاحب: " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري (١/ ٢٨٤) و "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (١/ ٨١)
(٧) في (ب): (وعليه الفتوى).
(٨) في (ب): (قول من زعم).
(٩) (وبدنها عورة): ساقطة من (ب).
(١٠) في (أ): (فقال)، ولعل الأقرب ما أثبت من (ب).
(١١) في (ب): (ليس).
(١٢) في (ب): (ينفي).