للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا معنى قوله؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ، وذكر الإمام التمرتاشي

-رحمه الله-: وإن نوى بالنية أخرى قياسان، وكذا كلّ كتابه، وكذا (إذا قال: أنت طالق أفحش الطّلاق)، وهذا معطوف على قوله أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة وهو قوله فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين، ولو نوى الثلاث فثلاث، ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: أفحش الطّلاق وأخرى، تقع تطليقتان.

فإن قيل: أنّ قوله (أفحش) أفعل التّفصيل، فيقتضي أن يكون هناك فاحشان أحدهما أفحش من الآخر، والأفحش هو الذي لا يكون فوقه أفحش، فيتعيّن الثلاث؛ لأنّه ليس فوقها طلاق.

فحينئذ لا يشترط نيّة الثلاث، بل يقع الثلاث في قوله: أفحش الطّلاق، نوى أو لم ينو.

قلنا: هذا الوزن مشترك بين التّفصيل وبين مجرّد الإثبات قال الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (١).

وقال الشاعر:

أن الذّي سمك السماء بنا لنا … بيتا دعايمه أعز وأطول (٢)

أي: عزيزة وطويلة، وإذا كان كذلك لم يجب حمل مطلق اللفظ على الثلاث، فكذا هذا الجواب في الأخبث والأسوأ الأشد، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (٣)، فكان تشبيهًا في توحيده أي: في تقريره عن الوصف وعن العدد فيكون رجعيًّا.

وأمّا الثّاني: وهو قوله: (أَوْ كَأَلْفٍ) فيراد به التشبه في القوة، يقال: ربّ واحد يعدل ألفاً زايدًا، والواحد القوي في الطّلاق هو الطّلاق البائن، فيصحّ نيته لذلك، وقد يراد به الكثرة فيصحّ نية الثلاث لذلك، فيصحّ نيّة الأمرين وهما القوة والكثرة في العدد وعند عدم نيتهما يثبت أقلّهما، وهو الواحد البائن، ثم في قول يقع ثانياً أي: شيء كان المشبه به احتراز عن قول زفر فإنه لو وقع البينونة عنده بشرط أن يكون المشبه به عظيمًا في نفسه وإلا فهو رجعيّ، وفي قوله أَمَّا ذِكْرُ الْعِظَمِ فَلِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ، وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ لا غير رواية هذا الكتاب وعامة شروح «الجامع الصّغير» (٤).


(١) [البقرة: ٢٢٨].
(٢) وهذا البيت منسوب للفرزدق. ينظر: الكامل في اللغة والأدب (٢/ ٢٢٧).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢١٢).
(٤) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٥١)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣١٢).