للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ أي وصف الطّلاق بالبينونة بقوله: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ والطّلاق يحتمل البينونةألا ترى أنّ البينونة قبل الدّخول يحصل به.

فإن قيل: لو كان قوله: أنت طالق محتملاً للبينونة، ينبغي أن تصحّ نية البينونة في قوله: أنت طالق؛ لأنّ النيّة إنّما تعمل فيما احتمله اللّفظ، ولم يصحّ بالإجماع (١).

قلنا: النيّة تصح في الملفوظ لا في غير الملفوظ، والبينونة ما صارت ملفوظة، فلا تُعمل نيته كمن عليه السّهو إذا سلّم، يريد به قطع الصّلاة لا تُعمل نيته، بخلاف ما إذا قال: [٢٣٢/ ب] أنت طالق نائن، فالبينونة ملفوظة وحجّتنا في هذا - أيضاً ما ذكره في «المبسوط» - وهو أنّ إيقاع صفة البينونة تصرف من الزّوج في ملكه، فيكون صحيحًا كإيقاع أصل الطّلاق، بيانه أنّ الطّلاق بالنكاح] للزوج وما صار (٢) مملوكًا له، إلا للحاجة إلى النقص عن عهدة النكاح (٣).

وذلك بإزالة الملك] مملوكة بالرفع وبالدخول نافية يتأكد ملكة (٤) و] كذلك قبل الدّخول إزالة الملك مملوكة للزّوج وبالدّخول يتأكّد ملكه (٥).

فلا يبطل ما كان نائباً له بالملك من ولاية الإزالة، وكذلك يملك الاعتياض عن إزالة الملك.

وإنّما يملك الاعتياض عمّا هو مملوك له، فثبت أنّ الإبانة مملوكة له، فكان وصفه الطّلاق الذي أوقع بالبينونة تصرّفًا منه في ملك نفسه، فيجب إعمال ما أمكن، وكان ينبغي على هذا الأصل أن يزول الملك بنفس الطّلاق، إلا أن حكم الرّجعة بعد صريح الطّلاق قد يثبت شرعًا، بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه؛ لأنّ قوله لها: أنت طالق يحتمل الطّلاق المبين وغير المبين، وكان قوله: نائباً؛ لتعيين أحد المحتملين كما يقول النّاس، يكون محتملاً للعموم والخصوص، وإذا قال النّاس كلهم، يزول به هذا الاحتمال، وكذلك إذا قال: بعت يحتمل البيع بخيار والبيع البات، وإذا قال: بيعًا باتًا فلا يزول به هذا الاحتمال.

قوله -رحمه الله-: فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ- إلى قوله -: لما مرّ من قبل، وهو قوله: نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا، إلى آخره - في أوائل باب إيقاع الطّلاق - في مقابلة قول زفر: يقع تطليقات بأعيان؛ لأنّ قولهنائن خبر للمبتدأ بعد خبر فكان المبتدأ مقدّراً له، فصار كأنّه قال: أنت طالق أنت نائن (٦).


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٣).
(٢) سقط من (أ).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٤).
(٤) سقط من (أ).
(٥) سقط من (ب).
(٦) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢١١).