للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: الملك للغائب والحاضر ليس بخصم فيه (١).

والثاني: دفع خصومة المدّعي عنه وهو خصم في ذلك فكانت مقبولة فيما وجدت خصمًا فيه كمن وكَّل وكيلاً بنقل امرأته أو أمته فأقامت البينة أن الزوج طلقها ثلاثا أو أنّ المولى أعتقها تقبل هذه البينة لقصر يد الوكيل عنها، ولا تقبل في وقوع الطلاق والعتاق ما لم يحضر الغائب؛ وهذا لأنّ مقصود ذي اليد ليس هو إثبات الملك للغائب إنما مقصوده إثبات أن يده يد حفظ وليست بيد خصومة، وفي هذا المدّعي خصم له فيجعل إثباته بالبيّنة عليه بمنزلة إقرار خصمه، وهذا بخلاف ما إذا ادّعى المدعي غصباً على ذي اليد حيث لا تندفع الخصومة عنه بهذه البينة (٢)؛ لأنّه هناك إنما صار ذو اليد خصمًا بدعوى الفعل عليه فأمّا في الملك المطلق فإنما صار [خصمًا] (٣) بيده ألا ترَى أن دعوى الغصب مسموعة على ذي اليد ودعوى الملك غير مسموعة فإذا ثبت أن يده يد غيره التحق في الحكم بما ليس في يده.

فلهذا قلنا: بمجرد قوله قبل إقامة البينة لا تندفع الخصومة عنه؛ لأنّ المدعي استحق عليه الجواب فصار هو خصمًا له بظهور الشيء في يده فلا يملك إسقاطه بمجرّد قوله وهو لا يثبت إقراره بالبيّنة، كما زعم هو إنما يثبت بالبينة [إسقاط] (٤) حق مستحق عليه عن نفسه وهو جواب الخصم.

وعن أبي يُوسُف (٥) -رحمه الله- إن كان ذو اليد رجلاً معروفاً بالحِيَلِ لا تندفع الخصومة عنه بإقامة البينة وإن كان صالحًا تندفع الخصومة رجع إلى هذا حين ابتُلي بالقضاء وعرف أحوال النّاس فقد يحتال المحتال فيدفع ماله سراً إلى من يريد السّفر ويأمره أن يودعه علانية حتّى إذا ادّعاه إنسان يقيم البينة على أنّه مودع فيدفع الخصومة عن نفسه، ومقصوده من ذلك الإضرار بالمدعي ليتعذّر عليه إثبات حقه بالبينة فلا تندفع عنه الخصومة إذا كان متهمًا بمثل هذه الحيلة كذا في دعوى المَبْسُوط (٦).

فإن قلت: ما الفرق بين ما إذا كان العين قائما في هذه المسألة وبين ما إذا كان هالكاً حيث لا تندفع الخصومة فيما إذا كان هالكاً عن ذي اليد، وأن إقامة ذو اليد البينة على أنه كان وديعة عنده من فلان الغائب.


(١) يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (٢/ ٦١٨).
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٣١٣ - ٣١٤)
(٣) [ساقط] من (ج).
(٤) في (ج) (إثبات).
(٥) يُنْظَر: الفتاوى الهندية (٤/ ٤٤)، اللباب في شرح الكتاب (١/ ٣٦٧).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٦٩).