للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: الفرق بينهما هو أن العين إذا كان قائما فالدَّعْوَى تقع في العين والْمُدَّعَى عليه إنما ينتصب خصمًا له في العين بظاهر يده فإنّ ظاهر اليد يدل على الملك إلا أنّه يحتمل أنّه ليس يد ملك وبإقامة البينة أنّ العين وديعة عنده يظهر أن يده ليست يد ملك فتندفع عنه الخصومة، أمّا إذا كان العين هالكاً فالدَّعْوَى تقع في الدين ومحل الدين الذمة والْمُدَّعَى عليه [ينتصب] (١) خصمًا للمدعي بذمته وبما أقام الْمُدَّعَى عليه من البينة أنّ العين كان في يده وديعة لا يتبين أنّ ذمته لغيره فلا تتحوّل الخصومة عنه ألا ترَى أنّ القاضي يقضي بالقيمة على مودع الغاصب وإن كان يده في العين يد غيره.

فإن قيل كان ينبغي أن لا يقضي بقيمة العبد هناك؛ لأنه لا يمكن القضاء بقيمة العبد للمدّعي إلا بعد القضاء له بملك العبد لأنه لا يجوز أن تكون قيمة العبد لإنسان ويكون الملك في العبد لغيره وقد تعذّر القضاء هاهنا للمدّعي بملك العبد على ذي اليد؛ لأنّ ذا اليد أثبت أن يده في العبد ليست يد ملك وأنّ الملك في [العبد] (٢) للغائب.

قلنا: ليس من ضرورة القضاء بقيمة العبد للمدّعي القضاء بملك العبد للمدّعي إذ يجوز [أن يكون] (٣) العبد لإنسان وبدله لغيره ألا ترَى أي: إلى ما قال أصحابنا (٤) -رحمهم الله- في/ رجل قال لغيره بعت منك هذا العبد الذي في يديك بألف درهم ولي عليك ألف درهم فقال ذلك الرجل: ما بعته مني ولا اشتريته أنا وأنا بريء مما تقول لا علم لي به قط فأقام المدعي البينة على ذلك وجب على المنكر ثمن العبد ولم يكن العبد ملكًا له.

فإن قلت: ما الفرق بين دعوى الملك المطلق وبين دعوى الفعل (٥) حيث يكون صاحب اليد خصمًا للمدعي في دعوى الفعل [حتى أنّ مدعيًا لو ادّعى على ذي اليد الفعل] (٦) بأن قال: هذا العين ملكي غصبته مني أو قال آجرته منك أو رهنته وقال ذو اليد أنه لفلان الغائب أودعه عندي وأقام بينة على ذلك لا تندفع الخصومة عن ذي اليد.

قلت: أنّ في دعوى الملك المطلق صاحب اليد انتصب خصمًا بيده؛ لأن دعوى الملك المرسل لا تصح إلا على ذي اليد فإنه لو ادّعى داراً في يد رجل وليس في يده دار لا تصح دعواه فعلم أن في دعوى الملك المطلق صاحب اليد إنما انتصب خصمًا بحكم يده ويده مترددة بين أن يكون له فيكون خصمًا وبين أن يكون لغيره فلا يكون خصمًا وبما أقام من البينة أثبت أن يده يد غيره، وإنما ليست بيد خصومة إنما هي يد حفظ أمّا في دعوى الفعل صاحب اليد إنما ينتصب خصمًا بدعوى الفعل عليه وهو الغصب لا بحكم اليد، ألا ترَى أن دعوى الغصب كما تصح على ذي اليد تصح على غير ذي اليد حتّى أن من ادّعى على آخر أنّه غصب عبده وليس في يده عبد صحّت دعوته وتلزمه القيمة لما أن فعله لا يتردد بين أن يكون له وبين أن يكون لغيره حتى يقال بهذه البينة يتبين أن فعل صاحب اليد فعل غيره بل فعله مقصور عليه فلذلك لا تندفع الخصومة عنه في دعوى الفعل ثُمَّ يبنى على هذا الأصل ما إذا كان العبد في يدي رجل جاء رجل وأقام بينة أنه [عبده] (٧) اشتراه من ذي اليد بألف درهم ونقده الثمن وأقام صاحب اليد بينة أنه وديعة عنده من فلان لا تندفع الخصومة [عن ذي اليد؛ لأنّ ذا اليد انتصب خصمًا للمدّعي بدعوى الغصب عليه لأنّ هذه المسألة موضوعة فيما إذا ادّعى المدعي شراه ونقد الثمن، ولم يذكر قبض المبيع فكان المدّعي يدّعي عليه فعلاً وهو وجوب تسليم المبيع [إلى] (٨) المشتري فيبقى دعوى الفعل معتبراً، وذو اليد متى انتصب خصمًا بدعوى الفعل عليه لم تندفع الخصومة] (٩) عنه بإقامة البينة على الإيداع من الغائب؛ لأنّ المدّعي يدّعي عليه وجوب التسليم وهو فعل في ذمته والأفعال الواجبة في ذمة الإنسان لا يتصوّر تحويلها إلى غيره فلا يقدر على تحويل هذه الخصومة إلى غيره.


(١) في (ج) (يثبت).
(٢) في (ج) (اليد).
(٣) [ساقط] من (ج).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ٢٨٥).
(٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٦٧).
(٦) [ساقط] من (ج).
(٧) [ساقط] من (ج).
(٨) (أما) في (أ).
(٩) [ساقط] من (ج).