للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا أيضًا: عدم جواز صلاة الرجل، ويجوز صلاة المرأة فكذلك هاهنا يجب أن لا يجوز صلاة الرجل، فيجوز صلاة المرأة؛ لأن الخطاب للرجال دون النساء، وهذا الخطاب هناك معمول بالإجماع، فيجب أن يكون معمولًا هنا أيضًا، وهذا معنى يلزم المخالف لا محالة ولا مخلص له عنه، واستخلصت هذه الزبد (١) من إشارات شيخ الإسلام (٢)، وصاحب الأسرار -رحمه الله-.

فإن قلت: لا يلزم من عدم جواز/ صلاة الرجل عند الاقتداء بها عدم جواز صلاته عند محاذاتها ألا ترى أن اقتداء الرجل بالمرأة في صلاة الجنازة لا يجوز (٣) ولا تفسد صلاته عند المحاذاة بها فيها (٤).

قلت: جوابه يأتي في بيان حد المحاذاة (٥)، فإن قلت: لما كان ورود الحديث في حق الصلاة وجب أن يكون المحاذاة مفسدة لصلاة الرجل عند قيامها للصلاة من غير اشتراك فيها؛ لأن الحديث لم يفصل (٦).

قلت: نعم كذلك إلا أن مراعاة الترتيب في المقام إنما يجب (٧) في صلاة تؤدى بالجماعة ولا يجب في صلاة تؤدى بالانفراد، والحديث يؤذن لترتيب المقام، فإن التقدم على الإمام أو التأخر عنه إنما يتحقق في صلاة تؤدي بجماعة لا في صلاة تؤدى منفردًا كذا هنا، فإن قيل: لما كان هو مأمور بالتأخير (٨) كانت هي مأمورة بالتأخر ضرورة فيجب أن تفسد صلاتها أيضًا، قلنا: الضرورة غير مسلمة لما أنه يمكن للرجل تأخيرها بدون تأخرها بأن يتقدم عليها خطوة أو خطوتين، فلما لم تثبت الضرورة في تأخرها لم يتناولها مقتضى خطاب الرجال؛ لأن حكم المقتضي إنما يثبت إذا كان من ضرورات المقتضى أو نقول: هي مأمورة بالتأخير ضمنًا لا قصدًا غير أن الثابت بالضرورة ينحط رتبته عن الثابت مقصودًا، فأظهرنا (٩) الأمر بالتأخر في حقها في حق لحوق الإثم، ففي حقه بالفساد إظهارا للتفرقة بين الثابت ضمنًا وبين الثابت مقصودًا لما عرف أن حكم الأمر الثابت في ضمن النهي دون حكم الأمر الثابت مقصودًا (١٠)، ولأن تأخرها لما يثبت في ضمن التأخر لا يكون هي مأمورة بالتأخر إذا لم يوجد منه التأخر؛ لأن المتضمن إنما يوجد عند وجود (١١) المتضمن لا غير هذا محصول ما ذكر في «المحيط» (١٢) (١٣).


(١) في (ب): هذا الدليل
(٢) هو: مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السَّرَخْسِي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. توفي سنة ٤٨٣ هـ. من تصانيفه: (المَبْسُوط) في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و (الأصول) في أصول الفقه.
يُنْظَر: (الفَوَائِد البهية: ص ١٥٨)؛ و (الجواهر المضية: ٢/ ٢٨)، و (الأَعْلَام للزركلي: ٦/ ٢٠٨).
(٣) فهي ليست بصلاة حقيقة وإنما هي دعاء للميت وإنما لا يصح اقتداء الرجل بالمرأة فيها لشبهها بالصلاة المطلقة في اشتمالها على التحريم والتحليل. ينظر: حاشية الطحطاوي (١/ ٢٢٣)
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٦١.
(٥) ساقط من (ب). فإن قلت: لا يلزم من عدم جواز صلاة الرجل عند الاقتداء بها عدم جواز صلاته عند محاذاتها ألا ترى أن اقتداء الرجل بالمرأة في صلاة الجنازة لا يجوز ولا تفسد صلاته عند المحاذاة بها فيها. قلت: جوابه يأتي في بيان حد المحاذاة
(٦) يُنْظَر: درر الحكام: ١/ ٣٩٤.
(٧) في (ب): القيام تجب.
(٨) في (ب): التأخر.
(٩) في (ب): فأظهر.
(١٠) قاعدة أصولية
(١١) في (ب): ضمن.
(١٢) المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري، المتوفى سنة (٦١٦ هـ) والمحيط البرهاني كتاب مطبوع في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمحمد بن الحسن الشيباني وألحق به مسائل النواد والفتاوى والواقعات وضم إليها عدداً من الفوائد.
يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٦١٩)، معجم المؤلفين (٣/ ٧٩٦)، الفوائد البهية (ص ٣٣٦).
(١٣) ينظر: المحيط البرهاني (٢/ ١٣٠).