للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: (١) أما دعوى أنها من أخبار الآحاد مطلقًا، فلا نسلم، بل إنه من المشاهير كما ذكر في الكتاب فيزداد بالخبر المشهور (٢) على الكتاب كما زيد حكم قوله عليه السلام: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا على بنت أخيها (٣)، ولا على بنت أختها» (٤) على عموم (٥) قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (٦) (٧).

وكما زيد حكم مسح الخف على غسل الرجل الثابت بالكتاب بالخبر المشهور على المذهب الأصح، ولئن سلمنا أنه من أخبار الآحاد، فالجواب عنه من وجهين، أحدهما: ما ذكره (٨) صاحب «المحيط» (٩)، فقال: إن وجوب التأخير على الرجل ليس بمقصور على الخبر، بل بالكتاب، وذلك لأن تأخير النساء إنما وجب، إما (١٠) تفضيلًا للرجال على النساء، وتفضيل الرجال عليهن ثابت بنص مقطوع، وهو قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (١١) (١٢)، أو وجب تأخيرهن صيانة لصلاة الرجل عن الفساد، فإن المرأة من قرنها إلى قدمها عورة (١٣)، فربما تشوش (١٤) الأمر على الرجل، فيكون ذلك سببًا لفساد صلاة الرجل، وصيانة (١٥) الصلاة عن الفساد واجبة بالنص المقطوع به، وهو قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (١٦)، وجاء الخبر مبنيًا لما ثبت بالنص المقطوع به لا أن يكون الحكم مقصورًا على الخبر الواحد، والثاني: هو ما ذكره صاحب الأسرار (١٧)، وهو أن فروض الصلاة لا تثبت بخبر الواحد، وأما فروض الجماعة فيثبت بخبر الواحد؛ لأن أصل الجماعة ثبت بالسنة، ففروضها وشروطها أيضًا يثبت بالسنة والقاطع للشغب هو أن تأخير المرأة في صلاة يشتركان فيها فرض ثابت بدلالة الإجماع، وذلك لأنا أجمعنا على عدم جواز اقتداء الرجل بالمرأة مع اتحاد فرضهما وهو لا يخلو من أوجه، أما إن كان ذلك لنقصان حالها كما في إمامة الصبي أو لعدم صلاحيتها كما في الأمي أو لفوت شرطٍ من شروط الصلاة كما في العاري أو لفوت فرض ترتيب المقام كما في إمامة المتأخر فوجه الانحصار على هذه الأربعة ظاهر لانعدام مجاوزة (١٨) عدم جواز الاقتداء عنها شرعًا، أما نقصان الحال مطلقًا فغير مانع لصحة الاقتداء لجواز إمامة العبد والفاسق والأعمى مع نقصان أحوالهم بالرق والفسق والعمى، وإنما لا يصح إمامة الصبي لا لسبب نقصان حاله مطلقًا، بل لأنه غير مكلف بالفرض، وما أتى به يقع نفلًا فلو قلنا: بجواز الاقتداء يلزم اقتداء، يلزم اقتداء (١٩) المفترض بالمتنفل بخلاف المرأة فإن عليها فرض الصلاة كالرجل، وأما عدم الصلاحية فغير مسلم، بل لها صلاحية بدليل جواز إمامتها للنساء متقدمة ومتوسطة، وأما شروط الصلاة من الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة وغيرها، فغير ثابت والكلام فيه متعين لعدم جواز الاقتداء بها فوت فرض ترتيب المقام الثابت بقوله عليه السلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» (٢٠) فلما عمل هذا الحديث هناك في حق الاقتداء حتى أفاد عدم الجواز فيه لانعدام التأخر (٢١) بالإجماع، فيفيد عند المحاذاة لانعدام التأخير فإن بناءك لا يجوز صلاة الرجل (٢٢).


(١) في (ب): قلنا.
(٢) خبر الآحاد ينقسم إلى قسمين مشهور وغير مشهور فالمشهور هو خبر جماعة لم يبلغوا في الكثرة مبلغا يمنع تواطؤهم على الكذب فيه فخرج بقولهم خبر الواحد وبتتمة التعريف الخبر المتواتر
ينظر: توجيه النظر إلى أصول الأثر (١/ ١١١)
(٣) ساقط من (ب). (ولا على بنت أخيها).
(٤) رواه أحمد في مسنده ٢٢/ ٤٧٠ حديث رقم (١٤٦٣٣) قال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٥) العموم: اسم عام يتناول كل موجود، ولا يتناول المعدوم. يُنْظَر: أصول البزدوي مع كشف الأسرار ١/ ٣٥ الإبهاج في شرح المنهاج ٢/ ٨٢ - ٨٣.
(٦) سورة النساء الآية ٢٤.
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ٤/ ٣٥٥.
(٨) في (ب): زيادة هو
(٩) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٢.
(١٠) ساقط من (ب).
(١١) سورة البقرة الآية (٢٢٨).
(١٢) وجه الدلالة من الآية: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أَيْ فِي الْفَضِيلَةِ في الخَلق والخُلق، وَالْمَنْزِلَةِ وَطَاعَةِ الْأَمْرِ، وَالْإِنْفَاقِ وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحٍ، وَالْفَضْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. ينظر: مختصر تفسير ابن كثير (١/ ٢٠١)
(١٣) مسألة عورة المرأة:، ذهب الحنفية والمالكية على أنّ الوجه والكفين ليسا بعورة، وهو أحد قولي الشافعي، وعند المالكية: عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيِّ ما عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وعند الشافعية: فَالْمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا إلى آخِرِ مَفْصِلِ الْكُوعِ، وعند الحنابلة: جميعها عورة يجب عليها ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه و الكفين، وذهب الإمام أحمد إلى أن بدن الحرة كلّه عورة، فيحرم إبداء شيء منه للأجنبي، وهو أصحّ قولي الشافعي.
ينظر: (الحاوي (٢/ ١٦٧ - ١٦٨) (حاشية العدوي (٢/ ٥٩٠)، شرح العمدة (١/ ٢٦٤).
(١٤) في (ب): يشوش.
(١٥) في (ب): زيادة الرجل.
(١٦) سورة محمد الآية (٣٣)
(١٧) كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (٤٣٠ هـ).
(١٨) في (ب): مجاورة
(١٩) تكرار في (أ).
(٢٠) سبق تخريجه.
(٢١) في (ب): التأخير.
(٢٢) يُنْظَر: شرح فتح القدير: ١/ ٣٦٠، والعناية شرح الهداية: ١/ ٣٦٢.