للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، فإن قيل لو وجبت النفقة في الحامل لم يبق لتخصيص الحامل في النصّ فائدة، حيث قال: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}.

قلنا: لذكر الشرط والتخصيص فائدة سوى النفي، وهي أنّه إنّما خصّ الحامل بالذكر؛ لأنّ الحامل إنّما تستحقّ النّفقة بقدر ثلاثة أقراء، فيقع [٣٩١/ أ] الإشكال أن الحامل تستحق بذلك القدر أو الزيادة إلى تمام مدّة الحمل وإن طالت، فأزال الأشكال وقال: لها النفقة في جميع مدّة الحمل {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» -رحمه الله-.

فإنّه قال: لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة، وفي التأويلات المراد بقوله: كتاب ربّنا قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (١) إلى قوله: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} (٢) ولو لم يكن في التلاوة ذكر الإنفاق لكنّا نفهم أنّه هكذا؛ لأنّه ذكر من وجدكم، والوجد هو السعة والغنى.

وذلك يرجع إلى ما يملك به أمّا الإسكان فإنّه قد يملك إسكانها في غير ملكه، حيث يسكن هو، ولا يملك الإنفاق عليها من غير ملك، وهذا كما في قراءة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في كفّارة اليمين: {ثلاثة أيّام متتابعات} لو لم تكن التّلاوة لفهم التّتابع؛ لأنّ الصّيام هنا يدل عن العتاق وكلّ صوم هذا شأنه فهو متابع كما في كفّارة القتل والظهار.

وذكر في «الإيضاح» قال عمر -رضي الله عنه-: لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لها النفقة والسكنى» (٣)، وذكر فخر الإسلام في أصول الفقه، وقال عيسى بن أبان (٤): أراد بالكتاب والسنّة القياس وردّها -أيضاً- أسامة ابن زيد (٥)، وهو زوج فاطمة التي روت بأنّه لا نفقة ولا سكنى، فإن أسامة -رضي الله عنه- كان إذا سمع هذا الحديث رماها بكلّ شيء في يده (٦)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «تلك امرأة فتنت العالم» أي: بروايتها هذا الحديث ذكره في «المبسوط» (٧).


(١) سورة الطلاق: ٦.
(٢) سورة الطلاق: ٦.
(٣) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب عدة الحبلى ونفقتها (١٢٠٢٧)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الرضاع، باب ذكر عدم إيجاب السكنى والنفقة للمطلقة (٤٢٥٠).
(٤) هو عيسى بن أبان فقيه العراق وتلميذ محمد بن الحسن وقاضي البصرة، له تصانيف وذكاء مفرط توفي سنة ٢٢١ هـ. ينظر: الجواهر المضية (١/ ٤٠١)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٤٤٠)، تاريخ بغداد (١١/ ١٥٧).
(٥) أسامة بن زيد بن حارثة، من كنانة عوف، أبو محمد: صحابي جليل. ولد بمكة، ونشأ على الإسلام (لأن أباه كان من أول الناس إسلاما) وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحبه حبا جما وينظر إليه نظره إلى سبطيه الحسن والحسين. وهاجر مع النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمّره رسول الله، قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فكان مظفرا موفقا. ولما توفي رسول الله رحل أسامة إلى وادي القرى فسكنه، ثم انتقل إلى دمشق في أيام معاوية، فسكن، المزة، وعاد بعد إلى المدينة فأقام إلى أن مات بالجرف، في آخر خلافة معاوية. له في كتب الحديث ١٢٨ حديثا، توفي سنة ٥٤ هـ. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٢٠٢)، أسد الغابة (١/ ٧٩).
(٦) حديث لا نفقة ولا سكنى أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها (١٤٨٠).
(٧) الأثر ذكره السرخسي في المبسوط (٥/ ٢٠١)، ولم أجده عن عائشة ولكنه يروى عن غيرها بغير هذا اللفظ وقد ورد في سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس (٢٢٩٦)، وعبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب الكفيل في نفقة المرأة (١٢٠٣٧)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب العدد، باب ما جاء في قول الله عز وجل: (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) (١٥٤٩٣)، كلهم عن سعيد بن المسيب.