للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّا نقول [أن] (١) جواز المؤمنة عندنا لأنّها رقبة لا لأنّها مؤمنة.

ألا ترى أنا نجوز الكبيرة والصغيرة وبين الصفتين تضاد، وكذا يجوز الذكر والأنثى وبين الصفتين تضاد، ولكن الجواز باسم الرقبة فكان الوصف فيه غير معتبر.

فأمّا حمل المطلق على المقيّد فالعراقيون من مشايخنا يجوّزون ذلك في حادثة واحدة، كما في قوله -عليه السلام- «في خمس من الإبل السّايمة شاة» (٢)، مع قوله -عليه السلام-: «في خمس من الإبل شاة» (٣).

ولكن الأصح أنّه لا يجوز حمل المطلق على المقيّد عندنا لا في حادثة ولا في حادثتين، حتّى جوّز أبو حنيفة -رحمه الله- التيمم (٤) بجميع أجزاء الأرض عملاً بقوله -عليه السلام-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهوراً» (٥)، ولم يحمل هذا المطلق على المقيّد وهو قوله -عليه السلام-: «التراب طهور المسلم» (٦).

وهذا لأنّ للمطلق حكمًا وهو الإطلاق في حمله على المقيّد إبطال حكمه، وإليه أشار ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: «أبهموا ما أبهم الله» (٧) وامتناع وجوب الزكاة في غير السّائمة ليس لحمل المطلق على المقيّد، بل للنصّ الوارد بأن لا زكاة في العوامل (٨) (٩) واشتراط صفة التتابع عندنا في الصّوم في كفارة اليمين ليس بطريق حمل المطلق على المقيّد، بل بقراءة ابن مسعود (١٠) -رضي الله عنه- وهي مشهورة، وهو لازم عليهم، فإنّهم لا يشترطون صفة التتابع فيها لحمل المطلق على المقيّد كذا في «المبسوط» (١١).


(١) سقطت من (ب)
(٢) السائمة: كل إبل، أو ماشية، ترسل ترعى، ولا تعلف. (القاموس الفقهي ص ١٨٧).
(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب صدقة الإبل، (١٧٩٨).
(٤) التيمم: في اللغة مطلق القصد، وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر، واستعماله بصفة مخصوصة؛ لإزالة الحدث. (التعريفات للجرجاني ص: ٧١)
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، (٤٣٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، (٥٢٢).
(٦) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم، (٣٣٢)، وأخرجه النسائي في الصغرى، كتاب الطهارة، باب الصلوات بتيمم، (٣٢٢)، وأخرجه الترمذي، أبواب الطهارة، باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، (١٢٤)، كلهم بلفظ: «الصَّعيدُ الطيَّبُ وضوءُ المُسلِمِ»، قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انظر: سنن الترمذي (١/ ١٨٥).
(٧) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب النكاح، باب ما يحرم من نكاح الحرائر وما يحل منه (١٣٨٠٨).
(٨) أخرجه ابن زنجويه في الأموال، كتاب الصدقة وأحكامها وسننها، باب اختلاف الناس في عوامل الإبل برقم (١٤٥٠) عن عمر بن عبدالعزيز، وأيضاً باب السنة في عوامل البقر أنه لا زكاة فيها برقم (١٤٧٩) عن مجاهد، وأيضاً برقم (١٤٨٢) عن موسى بن طلحة، وفي معرفة السنن والآثار للبيهقي، كتاب الزكاة، باب ما يسقط الصدقة عن الماشية برقم (٨٠٩٠، ٨٠٩١)، وأيضاً برقم (٨٠٩٥) عن معاذ بن جبل، ورواه الذهبي في تنقيح التحقيق، باب الزكاة، عن علي -رضي الله عنه- برقم (٢٩٨)، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير: "وفيه سوار بن مصعب وهو متروك عن ليث بن سليم وهو ضعيف، ورواه من وجه آخر عنه وفيه الصقر بن حبيب وهو ضعيف … وضعف البيهقي إسناده ورواه موقوفاً وصححه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إلا أنه قال الإبل بدل البقر وإسناده ضعيف أيضًا" (٢/ ٣٥١).
(٩) العَوَامِل مِنَ البَقَر: جَمْعُ عَامِلَة، وَهِيَ الَّتِي يُستقى عَلَيْهَا وَيُحْرَثُ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْأَشْغَالِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُطَّردٌ فِي الْإِبِلِ. ينظر: (النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/ ٣٠١).
(١٠) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن: صحابي. من أكابرهم، فضلا وعقلا، وقربًا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، نظر إليه عمر يومًا وقال: وعاء ملئ علمًا. وولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيت مال الكوفة، له ٨٤٨ حديثا، توفي بالمدينة سنة ٣٢ هـ.
ينظر: أسد الغابة ط الفكر (٣/ ٢٨٠)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ١٩٨).
(١١) المبسوط للسرخسي (٧/ ٣).