للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَصْدُهُ في الْإِعْتَاقِ، هذا جواب عن قوله: الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ تعالى، قلنا: قصد الكفر أن يكون العبد خالصاً للطّاعات نحو الزكاة والحج والجهاد والقضاء والشهادة، ومتمكنًا منها، فالظاهر أن العبد يسلم باعتبار أن مولاه أحسن إليه طلباً [لمرضاة] (١) الله تعالى فأعتقه، وهو أيضاً يرعى حق الله تعالى فيطيعه.

ولو أصرّ على المعصية فالمعصية إنّما تحقّقت بسوء اختياره، أي اختيار العبد.

ثمّ مُقارفته المعصية، يقال: قارف فلان الخطيئة (٢) أي خالطها واكتسبها.

ومنه ما ورد في الحديث: «من قارف ذنباً فارقه عقل لم يعد إليه أبدًا» (٣)، وإنّما لا يجوز أداء الزكاة إلى الكافر بالحديث، وهو قوله -عليه السلام-: «خذها من أغنيائهم وردّها في فقرائهم» (٤) وقد ذكرناه في الزكاة.

فإن قلت: قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (٥) نهى أن يطلب التقرب بالخبيث، ولا خبث أشدّ من الكفر.

قلت: لا حجة لك فيه؛ لأنّ الكفر خبث من حيث الاعتقاد، والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد، إنّما المصروف إلى الكفّارة المالية ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال كذا في «المبسوط» (٦).

(وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ) فموصوفها الرقبة لا الأنثى أو الأمة، حتّى لا يجوز العبد الأعمى أيضاً.

والأصل الجامع في تخريج ما يجوز به الإعتاق عن الكفّارة وما لا يجوز هو أنّه متى أعتق رقبة كاملة الرق في ملكه، مقرونًا بنية الكفارة وجنس ما ينبغي من المنافع فيها، قائم بلا بدل، يجوز عن الكفّارة، وإلا فلا يجوز.


(١) في (ب): لرضى.
(٢) الْخَطِيئَةُ: مِنْ مَعَانِيهَا الذَّنْبُ عَنْ عَمْدٍ. وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ مُطَابِقَةً لِلإِثْمِ. وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْعَمْدِ فَتَكُونُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُخَالِفَةً لِلإِثْمِ، إِذِ الإِثْمُ لَا يَكُونُ إِلاَّ عَنْ عَمْدٍ. ينظر: (لسان العرب ١/ ٦٦).
(٣) ذكره أبو الفضل العراقي في المغني عن حمل الأسفار (١/ ٨٨٩)، وقال: "لم أر له أصلاً".
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (١٤٩٦)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (٢٩).
(٥) سورة البقرة (الآية/ ٢٦٧).
(٦) المبسوط للسرخسي (٧/ ٤).