للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن هذا قلنا: أنّه إذا أعتق نصف الرقبة، ثم أعتق النصف الآخر قبل أن يجامعها يجوز عن كفارته، وبعدما جامعها لا يجوز عند أبي حنيفة -رحمه الله- خلافاً لهما (١).

وقولنا مقرونًا بنية الكفارة، فإنّه إذا أعتق عبده ولم ينو عن كفّارته، لا يجوز عن كفارته، وإن نوى عن كفارته بعد الإعتاق لا يجوز أيضاً.

وقولنا: وجنس ما ينبغي من المنافع فيه قائم أنّه إذا أعتق مقطوع اليدين أو ما يماثله لا يجوز، ولو كان مقطوع يد واحدة أو ما يماثله أو مقطوع الأنف أو عنّينًا (٢) أو خنثى (٣) أو مجبوباً (٤) أو كانت أمة رتقاء (٥) أو لها قرن (٦) يمنع الجماع يجوز عن كفارته.

وقولنا [بلا بدل] (٧)، فإنّه إذا أعتق عبده على البدل لا يجوز، كذا في «شرح الطّحاوي» (٨).

حتّى يجوز العوراء، وقال الشّافعي -رحمه الله-: لا يجوز؛ لأنّها ناقصة نقصانًا لا يُرجى زواله فكانت كالعميا (٩).

والأصل عنده أنّ كل عيب لا يرجى زواله يكون فاحشًا يمنع جواز التكفير به، وكلّ عيب يُرجى زواله يكون يسيراً لا يمنع جواز التكفير به، كالحمى (١٠) والشجة (١١) فإنّه إذا صيح عليه يسمع، وقيل -في الرواية التي قال: لا يجوز -: قوله محموله على صمم (١٢) أصلي ولابدّ أن يكون معه الخرس (١٣) فإنّه لم يسمع الكلام ليتكلّم، وهذا لا يجوز، ومراده من الرواية قال يجوز إذا كان الصمّ عارضاً، فلا يكون معه الخرس فيسمع عند المبالغة في رفع الصوت، ويجزئ الخصي ومقطوع الأذنين ومقطوع المذاكير عندنا خلافاً لزفر (١٤) (١٥)؛ لأنّ بعد قطع الأذنين الشّاخصتين السّمع باق وإنّما يفوت ما هو زينة وجمال فلا تصير الرقبة مستهلكة كفوت شعر الحاجبين واللحية وفي الخصي ومقطوع المذاكير إنّما يفوت منفعة النسل، وهي زائدة على ما يُطلب من المماليك، ولا يجوز مقطوع إبهام اليدين (١٦)، وكذلك إذا كان من كل يد ثلاث أصابع مقطوعة لم يجز لفوات منفعة البطش (١٧)، وقطع أكثر الاصابع في هذا كجميعها، وإن كان المقطوع من كلّ يد أصبعًا أو أصبعين سوى الإبهام يجزي؛ لأنّ منفعة البطش باقية، كذا في «المبسوط» (١٨).


(١) ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٦٥).
(٢) العنين: هو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن، أو يصل إلى الثيب دون البكر. ينظر: (التعريفات للجرجاني ص: ١٥٨).
(٣) الخنثى: في اللغة: من الخنث، وهو اللين، وفي الشريعة: شخص له آلتا الرجال والنساء، أو ليس له شيء منهما أصلًا. ينظر: (التعريفات للجرجاني ص: ١٠١)، (العين ٤/ ٢٤٨)، (دستور العلماء ٢/ ٦٥).
(٤) الْجَبُّ: الْقَطْعُ، والْمَجْبُوبُ الْخَصِيُّ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ وَقَدْ جُبَّ جَبًّا. ينظر: (المغرب ص ٧٤).
(٥) الرتقاء المرأة المنضمة الفرج التي لا يكاد الذكر يجوز فرجها لشدة انضمامه. ينظر: لسان العرب (١٠/ ١١٤).
(٦) القرناء من النساء التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما غدة غليظة أو لحمة مرتتقة أو عظم. ينظر: لسان العرب (١٣/ ٣٣٥).
(٧) سقطت من (ب).
(٨) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٤/ ٢٧٥)، العناية شرح الهداية (٤/ ٢٦٠)
(٩) ينظر: الحاوي الكبير (١٢/ ٢٨٦).
(١٠) والحمى والحمة: عِلّة يستحر بهَا الْجِسْم، من الْحَمِيم. ينظر: (المحكم والمحيط الأعظم ٢/ ٥٥٣).
(١١) الشَّجَّة: الْجرْح يكون فِي الْوَجْه وَالرَّأْس وَلَا يكون فِي غَيرهمَا من الْجِسْم. ينظر: (المحكم والمحيط الأعظم ٧/ ١٧٤).
(١٢) الصَّمَمُ: ذَهابُ السَّمعِ. ينظر: (لسان العرب ١٢/ ٣٤٢)، (العين ٧/ ٩١).
(١٣) الخرس هُوَ انْعِقَاد اللِّسَان عَن الْكَلَام. ينظر: (جمهرة اللغة ١/ ٥٨٤).
(١٤) هو: زُفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، قال عنه أبو حنيفة: (إمام من أئمة المسلمين)، ولي قضاء البصرة، وولد سنة عشر ومائة، ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائة.
انظر: تاج التراجم (ص: ١٧٠)، وفيات الأعيان (٢/ ٣١٧)، سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٨).
(١٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٥)
(١٦) الْإِبْهَامُ الْأُصْبُعُ الْكُبْرَى الْأُولَى. (طلبة الطلبة ص ١٦٤)
(١٧) البطشُ: التّناول عند الصَّولة. والأخذ الشديد في كل شيء: بطش به. والله ذو البطشِ الشديد، أي: ذو البأس والأخذ لأعدائه. ينظر: (العين ٦/ ٢٤٠).
(١٨) المبسوط للسرخسي (٧/ ٢).