للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو يُوسُف ومُحَمَّد: وكذلك عندنا (١) المرتد إِذَا مات على الردة والحربي المستأمن لا يجوز شراء واحد منهما وبيعه ولا نكاحه على ابنته الصغيرة المسلمة لما مرّ من انقطاع ولاية الكافر على المسلم فإن زوّج المرتد ابنته ثُمَّ أسلم جاز نكاحه؛ لِأَنَّ هذا نكاح له مجيز فِي الحال حتى لو رفع إلى القاضي فأجازه يجوز فكان سبيله التوقف وإِذَا توقف وعادت ولايته تعذر لوجود الإجازة منه وإن تزوّج هو بنفسه لم يجز؛ لِأَنَّ جواز النِّكَاح يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ للمُرتَد (٢) فإن أسلم بعد هذا لم يحل له إلا بإنشاء النكاح؛ لِأَنَّ هذا نكاح لا مجيز له حال وقوعه فلم يتوقف على إسلامه؛ لِأَنَّ ما لا مجيز له حال وقوعه لا يتوقف ألا ترَى أن الصبي إِذَا زوج عبده أو أعتقه أو وهبه أو تصدق به كان باطلاً لا ينفذ حتى وإن أجازه بعد بلوغه؛ لأنها تصرفات لا مجيز لها حال وقوعها بخلاف المرتد إِذَا زوّج ابنته الصغيرة؛ لِأَنَّ له مجيزاً وهو القاضي أو الولي فيتوقف.

ثُمَّ قوله: (قال أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد: وَالْمُرْتَدٌ إِذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ) (٣) أي: تصرفهما على المسلم لا يجوز إنما خصّ قولهما مع أنّ هذا حكم مجمع عليه (٤)؛ لِأَنَّ الشبهة إنما ترد على قولهما (لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ) (٥) بالبيع والشراء نافذة وإن قتل على ردته عندهما بناء على الملك ولكن تصرفاته على ولده (مَوْقُوفَةٌ) (٦) بالإجماع؛ (لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنَ الذِّمِّيِّ) (٧)؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنَّا دَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُن مِنَّا دِينًا، وتَحَقَّقَ فِي حقِّ الذِّمِّي مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، ولم يثبت في حَقِّ الْحَرْبِيِّ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ (٨). واللهُ أعلم بالصواب.


(١) أي عند الأحناف، المبسوط؛ للسرخسي (٤/ ٤٠٨).
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٢/ ١٧٣).
(٣) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٣).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٢/ ١٨٧)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (١/ ٤٥٠)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (١٧/ ١٦٩)، المغني؛ لابن قدامة (٥/ ٥٤٠).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٣).
(٦) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٧) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٩).
(٨) (ماهو خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْجِزْيَةِ فَالْمَصْلَحَةُ لِلسَّيِّدِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُحَقَّقَةٌ فِيه بِخِلَافِ الْحَرْبِيّ). يُنْظَر: فتح القدير (١٨/ ١٧٦).