للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن فروع مسألة الكوز: ما إذا قال رجلٌ لامرأته إن لم تهيئي لي صداقك اليوم فأنت طالق وقال أبوها إن وهبتِ له صداقكِ فأُمِّك طالقٌ، فالحيلةُ في أن لا يحنثا هي أن يصالح أباها عن مهرها بثوب ملفوف فإذا مضى اليوم لم يحنث؛ لأنها لم تهب ولم يحنث الزّوج؛ لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب؛ لأن الصّداق سقط من الزّوج بالصلح كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (١).

[٤٣٣/ ب] (انعقدت يمينه وحنث عقيبها) هذا إذا حلف مطلقًا، وأمّا إذا وقّت اليمين لم يحنث ما لم يحضر/ ذلك الوقت، وقال زفر -رحمه الله- يحنث حالًا كما في المطلق، ولنا أنّه لم يلتزم البر حالًا فلا يحنث بتركه حالًا وفي جمع الناطفي (٢) إن تركت مسّ السّماء فعبدي حرّ لم يحنث؛ لأنّ التّرك لا يتصوّر في غير المقدور عادة كذا ذكر الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٣).

ألا ترى الملائكة يصعدونه قال الله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا} (٤) فلما كانت السّماء عينًا مَمَسُوُسَةً لِمخلوق كان المسّ متصوّرًا لمخلوق آخر لا مستحيلًا؟ لأنّ مستحيل الوجود في نفسه لا يختلف بين مخلوق ومخلوق، فكان مستحيل الوجود في حقّ الكل كاستحالة الجمع بين الحركة والسكون، وكذا تحوّل الحجر ذهبًا بتحويل الله، فإن قيل: لو قدرت تصوّره بمحض إيجاد الله تعالى، يجب أن يحنث أيضًا في اليمين الغموس؛ لأنّ إعادة الزّمان الماضي في قدرة الله تعالى أيضًا، وقد فعلها لسليمان -عليه السلام- فيجب أن تنعقد هي أيضاً بهذا الطّريق ثم يحنث الحالف عقيبه كما هنا، قلنا: إنّما لا ينعقد هناك (لأنّه أخبر عن فعل قد وجد منه وذلك لا كون له فإن الله -عز وجل- وإن أعاد الزّمان الماضي لا يصير الفعل موجودًا من الحالف حتى يفعله) كذا في المبسوط (٥)


(١) انظر تبيين الحقائق (٣/ ١٥٩).
(٢) أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر أَبُو الْعَبَّاس الناطفي ذكره صَاحب الْهِدَايَة في الطَّهَارَة بِلَفْظ الناطفي أحد الْفُقَهَاء الْكِبَار حنفي وَأحد أَصْحَاب الْوَاقِعَات والنوازل وَمن تصنيفه الْأَجْنَاس والفروق في مُجَلد والواقعات مَاتَ بِالريِّ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة -رحمه الله-. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ١١٣)، وكشف الظنون (١/ ٢٢).
(٣) انظر: البحر الرائق (٤/ ١٦٠).
(٤) سورة الجن آية: (٨).
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٩/ ٧).