للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٣٣/ أ] واحتجّ أبو يوسف -رحمه الله- (بأن/ محلّ اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادراً عليه أو عاجزًا عنه، ألا ترى أنّه لو قال والله لَأَمَسَّنَّ السَّماء أو لأُحوِلنَّ هذا الحَجَرَ ذَهَبًا انعقد يمينه؟ لأنّه عقد على خبر في المستقبل، وإن كان هو عاجزٌ عن تحصيله فهذا مثله، وقالا (١): محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق، لأنّها تُعقدُ للحظرِ أو الإيجابِ أو الإظهارِ معنى الصدق، وذلك لا يتحقّقُ فيما ليس فيه رجاءُ الصّدقِ فلا ينعقدُ أصلاً كيمين الغموس) كذا في المبسوط (٢).

ولو كانت مُطلَقَةً بأن لم يذكر اليوم ففي الوجه الأوّل:

(بأن لم يكن في الكوز ماء وذكر اليوم)، وفي الوجه الثّاني: (وهو ما إذا لم يذكر اليوم وفي الكوز ماء فأهريق (٣) قبل الليل، فأبو يوسف -رحمه الله- فرَّق بين المطلق والموقت أي في مسألة.

الوجه الثاني وهو ما إذا كان في الكوز ماء فأهراق قبل اللّيل فأبو يوسف -رحمه الله- يفرق في هذه المسألة بين المطلق والموقت، وأراد بالمطلق ما إذا لم يذكر اليوم وبالمؤقت ما إذا ذكر اليوم ففرق بينهما في الحكم فقال: في المطلق يحنث حال وقت الإراقة من غير توقف إلى الليل، وفي المؤقت: لا يحنث في الحال بل يتوقّف حنثه إلى آخر اليوم، فعند غيبوبة الشمس يحنث عنده، وهما (٤) يفرِّقان بين المطلق والمؤقت أيضًا لكن بوجه آخر، ويقولان: إن في المؤقّت يبطل اليمين بالإراقة فلا يحنث لا في الحال ولا في آخر اليوم، وفي المطلق يحنث حال وقت الإراقة واحتج أبو يوسف -رحمه الله- في المسألة الثّانية وهي ما إذا كان (في الكوز ماء فأريق قبل اللّيل) فقال: إنّما يحنث لأنّه تحقّق فوات شرط البر، وذلك يوجب الحنث كما (لو كانت اليمين مطلقة) عن الوقت إلا أن تأثير التّوقيت في منع الحنث ما لم يمض الوقت، فإذا مضى الوقت حنث كما في قوله: [لأمسنّ السّماء اليوم] وهما يقولان شرط حنثه ترك فعل الشرب، ولا تصوّر لذلك إذا أراق الماء وكما لا ينعقد اليمين بدون محلّها لا يبقى بدون محلّها، وبالإجماع لا يحنث قبل الليل فعرفنا أن اليمين تسقط من غير حنث.

يوضحه أن موجب هذا اليمين ترك فعل الشرب مطلقًا، وذلك خلاف ما عقد عليه يمينه. كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمّة السّرخسي -رحمه الله- وهما فرق بينهما، أي بين المؤقّت والمطلق في الوجه الثّاني وهو ما إذا كان في الكوز ماء وأمّا في الوجه الأوّل فلا يحتاجان إلى الفرق؛ لأنّهما يقولان بعدم الانعقاد، وفرقا في الوجه الثّاني وقالا (٥) لا يحنث في الموقّت ويحنث في المطلق، أمّا في المؤقت يجب البرّ في الجزء الأخير من الوقت أي يتأكّد وجوب البر وذلك لأنّ اليمين متى عقدت على فعل لا يمتد موقتًا باليوم، فإنّما يلزم انعقاده في آخر النّهار. مثل قوله: والله لأفعلنّ كذا اليوم، فإنّما يلزم انعقاده في آخر اليوم من قِبَل أنَّ الفعل الذي لا يمتد إذا أضيف إلى وقت يمتد صار الوقت ظرفًا له لا معيارًا له مثل صلاة الظّهر في وقت الظّهر، أنّ الوقت طرفه لا يتعيّن له على الثبات إلا في آخره على احتمال أن يكون كل جزء منه وقتًا لأدائه باختياره، فإذا لم يفعل تعين الآخر، فكذلك ههنا أضيف شرب الماء، وهو لا يمتد إلى اليوم المُعَرَّف، وهو اليوم القائم الممتدّ، فإذا لم يشربه في آخر النهار صار آخره متعيّنًا لانعقاد اليمين في حق وجوب البرّ، وفي ذلك الوقت الماء هالك فصار بمنزلة ابتداء العقد في آخر النّهار، والماء هالك فكانت هذه المسألة فرعًا لمسألة اليمين التي حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز وليس فيه ماء وهناك الاختلاف هكذا. فكذا هنا إلى هذا أشار فخر الإسلام (٦) -رحمه الله-.


(١) أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
(٢) انظر المبسوط للسرخسي (٩/ ٦).
(٣) أي فأريق، والهاء فيه زائدة. انظر: البناية (٦/ ١٨٩).
(٤) أي عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
(٥) أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
(٦) انظر: ملتقى الأبحر (١/ ٣٠٠).