للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث)، نظيره هاتين المسألتين ما (لو حلف لا يشرب من هذا الكُوز) (١) فصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه لا يحنث بالإجماع.

ولو قال: [لا أشرب من ماء هذا الكوز] فصّب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه حنث في يمينه؛ لأنّه عقد يمينه على الماء الذي في الكوز وبأن صب في كوز آخر لا يخرج من أن يكون ذلك الماء. بخلاف قوله: [لا أشرب من هذا الكوز]؛ لأنّ هناك عقد يمينه على الشّرب من الكوز المعيّن ولم يشرب من ذلك الكوز، ولو حلف لا يشرب من هذا الجب (٢) أو من هذا البئر حكى عن أبي سهل الشرعي -رحمه الله- أنّه كان يقول: إذا كان الجب والبئر مَلآنَ يمكن الكرع فيه فيمينه على الكرع عند أبي حنيفة -رحمه الله- وعندهما على الاغتراف وإن لم يكن مَلآنَ فيمينه على الاغتراف فإن تكلف في هذه الصورة وكرع من أسفل البئر أو (٣) من أسفل الجب اختلف فيه المشايخ، والصّحيح أنّه لا يحنث كذا في الذّخيرة (٤).

وليس في الكوز ماء لم يحنث؛ لأنّه لم ينعقد يمينه على قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- فلا يحنث، وذلك لأنّه عقد يمينه على خبر ليس فيه رجاء الصّدق إلا أنّه لا فرق ههنا بين أن يعلم أن الكوز لا ماء فيه أو لا يعلم؛ لأنّه عقد اليمين على شُرب الماء الموجود في الكوز، والله تعالى وإن أحدث في الكوز ماءً فليس هو الماء الذي كان موجودًا في الكوز وقت اليمين، لأنّ الماء الذي أضاف إليه الشرب لا يحتمل الوجود إذ الحادث غيره، بخلاف مسألة القتل: إذا كان يعلم بموت فلان؛ لأنّه عقد يمينه على فعل القتل في فلان فإذا أحياه الله تعالى فهو فلان كقوله تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} (٥) فكان ما عقد عليه اليمين متوهمًا ووزان هذا من مسألة الكوز أن لو قال: والله لأ قتلن هذا الميّت، فإنّ يمينه لا تنعقد؛ لأنه لا تصوّر فيما حلف عليه فإنّه إذا أحياه الله تعالى حتّى يتحقق فيه فعل القتل لا يكون ميّتًا.


(١) الكُوزُ: من الأَواني، عروفٌ، وهو مشتقٌّ من ذلك، والجمعُ أَكْوازٌ وكِيزانٌ وكوزَةٌ.
انظر: لسان العرب (٥/ ٤٠٢).
(٢) والجُبُّ: البئر، مُذَكَّرٌ. وقيل: هي البِئر لم تُطو. وقيل: هي البئر الكثيرة الماء البعيدةُ القَعر.
انظر: لسان العرب (١/ ٢٥٠).
(٣) " من أسفل البئر أو " سقط من (أ).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٤/ ٣٠١).
(٥) سورة البقرة آية: (٢٥٩).