للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: والكفَّارة حق الله تعالى فيعتبر الجنين في حق حكم الكفارة بمنزلة عضو من أعضائها، والكفارة لا تجب بإتلاف أعضائها أمَّا لو خرج الجنين حيًا ثم مات فعلى الضَّارب الدية الكاملة وعليه الكفَّارة؛ لأنَّه متى انفصل حيًا يعتبر نفساً وولدًا في حق نفسه وفي حق غيره سواء كان الحق لله أو للعباد.

ألا ترى أنَّه يُصلى عليه صلاة الجنازة ويُسمَّى ويرث، ثم ذكر فيها محيلاً عن الزيادات: رجل اشترى جارية من آخر وقبضها، ثمَّ إنَّ المشتري وطئها وحبلت منه، ثم إنَّ الجارية ضربت بطن نفسها متعمدة أي: متعمدة إسقاط الجنين وألقت جنينًا ميتًا، أو شربت من الدَّواء ما يوجب سقوط الولد متعمِّدة، أو وضعت في قُبُلِهَا ما يطرح (١) به الولد فأدخلته في الرَّحم فسقط الجنين ميتًا، ثم استحقَّها رجل بالبيِّنة وقضى القاضي للمستحق بالجارية وبالعقر على المشتري يقال للمستحق: إنَّ أمتك قتلت ولدها، وأنَّه ولد هذا الرجل، وأنَّه حرٌّ؛ لأنَّه ولد المغرور وولد المغرور حر، والجنين الحر مضمون بالغرة، فادفع أمتك أو افدها بغرة الجنين الحر وإنَّما شرط محمَّد -رحمه الله- التعمُّد في فعل الجارية؛ لأنَّها ليست بمباشرة الإتلاف بل هي مسببة إلى قتله والسَّبب أي يوجب الضَّمان إذا كان بوصف التعدي وبالتعمد لإسقاط الولد تكون متعدِّية وعلى هذا الحرة إذا فعلت ذلك بنفسها كان على عاقلتها الغرة، ويشترط أن تكون متعمدة في فعلها لما ذكرنا، وهذا إذا فعلت بغير إذن الزَّوج فإن فعلت ذلك بإذنه فلا ضمان، وفي فتاوى أبي الليث -رحمه الله- (٢) في امرأة شربت دواء فألقت جنينًا ميتًا أو حملت حملاً ثقيلاً، أو حملت حملاً فألقت جنينًا ميتًا أن على عاقلتها خمسمائة درهم في سنة واحدة لوارث الحمل أياً كان أو غيره، وإن لم يكن لها عاقلة ففي مالها في سنة والله أعلم بالصَّواب (٣).


(١) طرح: طرحت الشئ، وبالشئ، طرحا، إذا رميته. يُنْظَر: الصحاح؛ للجوهري (١/ ٤٠٩).
(٢) هو: الإمام الفقيه المحدث الزاهد، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، الحنفي، المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني، وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، له تفسير القرآن وكتاب تنبيه الغافلين، وله كتاب فتاوى النوازل وغيرها. (ت ٣٧٥ هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ١٩٦)، سير أعلام النبلاء (١٦/ ٣٢٢)، تاج التراجم (١/ ٣١٠).
(٣) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٢٨)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩١)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٩١)، الفتاوى الهندية (٦/ ٣٥، ٣٦).