للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر فخر الإسلام في «الجامع الصَّغير» قال بعض مشائخنا: معنى قوله: ضمن قيمته حياً أي: الدية.

وقوله: ولا تجب الدية ليس هو من لفظ «الجامع الصَّغير» وإنَّما قالوا: المراد به الدية؛ لأنَّ الضَّرب وقع بالأم فلم تعتبر جنايته في حق الدية إلا بعد أن ينفصل حيًا ولذلك لم تنقطع سرايته.

بخلاف من جرح عبدًا ثم أعتقه مولاه وقال بعضهم: بل المراد منه حقيقة القيمة؛ لأنَّ الجناية قد تمت من الجاني لكنَّها لم تعتبر في حقِّ الجنين مقصودًا إلا بعد الانفصال فأشبه الرمي الذي تم من الرَّامي ولم يعتبر من المرمي إلا بعد الإصابة فإذا وجد العتق تم تمام العلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- حتى وجب ضمان القيمة.

فكذلك ههنا وإن كان هذا بالاتفاق صار حجة لهما على محمَّد (١).

(وَلَنَا: أَنَّ الكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى العُقُوبَةِ (٢)؛ لأنَّها شُرعت زاجرة والزَّجر إنَّما يكون شيء فيه عقوبة حتى أنَّها تتأدى بالمال والمال شقيق الروح فكان إزالة المال منه بمنزلة إزالة الرُّوح ومن وجه عبادة لتأدية بالصَّوم.

(وَقَدْ عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ المُطْلَقَةِ فَلا تَتَعَدَّاهَا (٣) أي: لا تتعدَّى الكفارة من النفوس المُطْلَقة إلى غير المُطْلَقة وهو الجنين، إمَّا لأنَّ القياس لا يجري في العقوبات، أو لأن غير المُطْلقة ليست بنظير للمُطْلقة ولا يجري القياس في غير النظير (٤).

وفي «المبسوط» فالجنين جزء من اعتبار صفة الجزئية يمنع وجوب الكفارة ومع الشَّك لا تجب الكفارة ولكن اعتبار معنى الجزئية لا يمنع وجوب الضَّمان فأوجبنا الضَّمان وألحقناه في ذلك بالنفوس (٥).

وفي «الذَّخيرة» وإنَّما قلنا بعدم وجوب الكفَّارة؛ لأنَّ قضية القياس أن لا تجب الكفَّارة والضَّمان لكن تركنا القياس في الضَّمان بالآثار ولا أثر في الكفارة فتبقى الكفارة على أصل القياس.

والمعنى فيه: أنَّ الجنين إذا انفصل ميتًا اعتبر ولدًا ونفساً على حدة في حق غيره من العباد في حقِّ بعض الأحكام حتى تصير الجارية أم ولديه وتصير المرأة نفساء ويحل للمعتدة الإزواج، وفي حق نفسه اعتبر عضوًا من أعضاء الأم حتى لا يُسمى ولا يَرِث وكذلك في حق الله تعالى اعتبر عضوًا من أعضاء الأم حتى لا تقام عليه صلاة الجنازة التي هي حق الله تعالى.


(١) يُنْظَر: الجامع الصغير (٥١٨)، تبيين الحقائق (٦/ ١٤١)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩١).
(٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٠).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٠).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٢٤)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٢٦).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٨٨).