للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: أمّا الأولُ فإنهُ لا فرقَ بينَ جِماعِ الصغيرةِ، والكبيرةِ، والمكُرهةِ، والبهيمةِ على أصلهِ، وليس فيهِ فِطْرانٌ، ومع ذلك وَجبتْ الكفارةُ، ولِأَنَّ فِطْرَ المرأةِ جِنايةٌ أخرى على صومِ المرأةِ فلا يزدادُ جنايةً بهِ على صومِ نفسِهِ.

وأمّا الجوابُ عنِ الثاني: فإنّا سوَّيْنا بينَ الأَكْلِ، والوِقاعِ في حقِّ الصَّوْم في الركنيةِ حُرمةً، وإباحةً لِوُجُودِ دليلِ المساواةِ؛ وذلكَ لأنّ اللهَ تعالى ذكَر المباشرةَ ليلًا، والأَكْلَ، والشَّربَ، ثُمَّ أَمَرَ بالصَّوْم عنها جُملةً إلى الليلِ فصارَ الرُّكْنُ هو الكفُّ عنها جُملةً فكانَ الكُلَّ كشيءٍ واحدٍ في الاستواءِ في السببيةِ فلمْ يكنْ للجِمَاعِ مزيةٌ على غيرِهِ كالأشياءِ المختلفةِ يتناولُها اسمُ الشيءِ، وليسَ للواحِدِ زيادةُ استحقاقٍ في اسمِ الشيئيةِ على غيرهِ، وإنْ كانتْ الأشياءُ في أنفُسِها مختلفةً بخلافِ عَدَمِ المُلْكِ فإنَّ حُرْمَة الجِمَاعِ فيهِ أغلظُ حتى لا يزولُ بالبدلِ (١).

وأمّا الجوابُ عنِ الثالثِ: فإنَّ حُرمةَ الجِمَاعِ في الحجِّ أقوى حتى لا يرتفعَ بالحلْقِ إلى أنْ يطوفَ طوافَ الزيارةِ بخلافِ سائرِ المحظوراتِ حيثُ يرتفعُ بالحَلْقِ، وأمّا هاهنا فكُلَّها سواءٌ لما ذكرنا (٢).

وأمّا الجوابُ عن الرابعِ: فقلنا: إنّ تمامَ الجُوعِ لا يُبيح الفِطْرِ، وما ابتلينا بهِ إِلاَّ للجوعِ، والضرورةِ المبيحةِ لخوفِ الهلاكِ على نفسهِ ليستْ مِنَ الجُوعِ؛ لأنَّ الجوعَ عبارةٌ عن الاشْتِهاءِ، ووقوعِ الحاجةِ إلى الأِكْلِ، وهذا لا يُبيحُ بحالِ والضرورةُ، وعبارةٌ عن خُلُوِّ المُعِدَةِ مِنَ الموادِ التي يتعلقُ بها بقاءُ/ القوُة الطبيعيةِ، وذلكَ الخُلوُّ لا يُتصورُ ببعضِهِ، فبعضُ الموادِ إذا بقي فلا خُلوِّ كخُلوِّ الجِرابِ عن ما فيهِ لا يتصورُ ببعضهِ (٣).

وأمّا الجوابُ عن الخامسِ: فهو الجوابُ عن الأولِ لما أنَّ شرعتَهُ الكفارةُ في الوقاعِ، أيْ: الإفطارُ فيهِ حتى أنها وجبتْ في جِماعِ الصغيرةِ، والحاملِ، والمرضعِ بالاتفاقِ (٤)، وفي جمِاعِ البهيمةِ، والميتةِ عندَهُ، ولا إفطارَ إِلاَّ مِنْ جانبٍ واحدٍ. هذه فوائدُ مجموعةٌ في «الْأَسْرَارِ» (٥)، والمَبْسُوطين (٦). ولنا أنَّ الكفارةَ تعلقتْ بجنايةِ الإفطارِ في رمضانَ على وجهِ الكمالِ، فإن قلت: هذهِ الدَّعوى مستفادُةُ عِنْدَنَا مِنْ قولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أفطْرَ في رمضانَ فعليهِ ما على المُظاهرِ» (٧) ولا يمُكنُ إجراءُ هذا الحديثِ على عمومهِ لوجودِ الإفطارِ فيمنَ أَكَلَ الحَصاةَ أو النَّواةَ، ولا كفارةَ فيهِ باتفاقٍ بيننا، وبينَ الخصمِ (٨).


(١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٢٨).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٢).
(٣) يُنْظَر: أصول للِسَّرَخْسِي (١/ ١٢٠).
(٤) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٧).
(٥) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (٢/ ٣٣٢).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٢).
(٧) سبق تخريجه ص (٣١٧).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (٣/ ١٢٩).