للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: ثَبتَ بهذا الحديثِ انعدامُ انحصارِ الكفارةِ بالوقاعِ كما هو زَعَم الخصمُ، وأمّا اشتراطُ كمالِ الجِنايةِ في إيجابِ الكَفارةِ، فلسنا عُدةَ الخصمِ؛ وذلكَ لأنّ الكفارةَ هاهنا أقصى عقوبةٍ ثَبتت في حقِّ مَنْ باشَرَ هَتْكَ حُرْمِة صومِ رمضانَ، فيستدعي أقصى جِنايةٍ فيه، وذلكَ إنما يكونُ بالفِطْرِ الذي هو فِطْرُ صُورةٍ، ومعنى مع صفةِ العَمْدِ فثبتَ بهذا المجموعِ منِ (الحديثِ) (١)، والإجماعِ ما قلنا: (إنّ الكفارةَ تعلقتْ بجنايةِ الإفطارِ في رمضانَ على وجهِ الكمالِ) (٢)، وفي «الجامعِ الصغيرِ» للإمام المحبوبي، وحكى عنِ القاضي أبي علي النسفي (٣) أنّهُ قالَ: أتعجَّبُ مِنَ الشَّافِعِي أنهُ يَوجِبُ القضاءَ دُونَ الكفارةِ في الأَكْلِ، والشُّربِ عامِدًا، وفي الحاملِ، والمرضعِ إذا أفطرَتا، وخافتا على ولدِهَمِا أو على أنفسِهِمَا يُوجبُ القضاءَ مع الفديةِ فقد جعلَ القاصِدَ المتُعَمِدَ مَعذورًا حيثُ قالَ: يُكتفى بهِ بقضاءِ يومٍ واحدٍ، وما جعل الحاملَ، والمرضعَ معذورٌ حيثُ ألزمَها مع القضاءِ فديةٌ، وهذا قولٌ فيهِ ما فيهِ لما رَوينا (٤)، وهو قولُهُ -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَفْطَرَ في رمضانَ فعليهِ ما على المُظاهِر» (٥)، الفرقُ مِكْيالٌ معَروفٌ بالمدينةِ وقد يحَرّكُ. وعن محُمدٍ: الفرقُ ستةُ وثلاثونُ رَطلًا، وقد ذكرنا شِيعًا في الزَّكَاةِ ليسَ بين لابتي المدينةِ أحدٌ أحوجَ مِنيِّ (٦)، اللابةُ (٧) واللُّوبة الحّرُة وهي الأرضُ ذاتُ الحِجَارةِ السُّودِ، والمعنى ليسَ بالمدينةِ أحوجُ مني، وإنما قِيلَ ذلكَ؛ لأنّ المدينةَ بينَ حرتين، ثُمَّ جرى على أفواهِ الناسِ في كُلِّ بلدةٍ، فيقولون: ما بينَ لابتيها مثلَ فلانٍ مِنْ غيرِ إظهارِ صاحبِ الضميرِ. كذا في «المُغْرِب» (٨).


(١) سقطت في (ب).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: ٢/ ٣٣٩.
(٣) هو: الحسين بن الخضر بن مُحَمَّد بن يوسف الفقيه القشيديرجي القاضي أبو علي النسفي قال السمعاني كان إمام عصره تفقه ببغداد وناظر المرتضى فى توريث الأنبياء من أصحاب الإمام أبي بكر مُحَمَّد بن الفضل اجتمع به ببخارى وله أصحاب وتلامذة مات سنة أربع وعشرين وأربع مائة وقد قارب الثمانين.
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: ١٧/ ٤٢٤)، و (الجواهر المضية: ١/ ٢١١)، و (شذرات الذهب: ٣/ ٢٢٧).
(٤) يقصد المؤلف من عرض المسألة والرد على المخالفين وإلا فهو لم يذكر هذه المسألة سابقاً في هذا الْكِتَاب.
(٥) سبق تخريجه ص (٣١٧).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٣٤٩)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢٨).
(٧) اللابة: الحرة، وهي الأرض التي قد البَسَتْها حجارة سود، وجمع اللابة لابات، غريب الحديث لابن سلام (١/ ٣١٤).
(٨) / ٢٥٠.