للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلنا: إذا كان أكثر النفقة من مال الميت صار كأن الكل من مال الميت، وإذا (١) كان أكثر النفقة من مال نفسه صار كأن جميع نفقته من مال نفسه، فيكون الحجّ عنه، ويضمن ما أنفق من مال الميت؛ لأنه مخالف لأمره فإن أمره بأن ينفق في سفر يحج بذلك السفر عن الميت لا عن نفسه، وهذه المسألة تدل على أن الصحيح من المذهب فيمن يحج عن غيره أن أصل الحجّ يكون عن المحجوج عنه، وأن إنفاق الحاج من مال المحجوج عنه كإنفاق المحجوج عنه من مال نفسه أن لو قدر على الخروج بنفسه، وبنحوه جاءت السنة المشهورة، وهو حديث الخثعمية، وهذا هو الأصح فإن فرْض الحجّ لا (٢) يسقط بهذا عن الحاج، وكذلك في هذه المسألة إذا كان أكثر نفقته من مال نفسه حتى صار حجته (٣) عن نفسه كان ضامنًا لما أنفق من مال الميت، ولو كان للميت ثواب النفقة فقط لا يصير ضامناً؛ لأن ذلك قد حصل للميت، وذكر الإمام التمرتاشي (٤) نقلاً عن «الزيادات البرهانية» (٥)، وقيل: عن الحاج، وإليه مال بكر، ولكن لا يسقط عنه فرض الحجّ؛ لأن فرض الحجّ/ لا يتأدى إلا بنية الفرض أو بمطلق النية ولم توجد، وإنما وجدت النية عن الآمر.

ثُمَّ اعلم أن الحاج عن الغير إن شاء قال: لبيك عن فلان، وإن شاء اكتفى بالنية بمنزلة الحاج عن نفسه، وإن شاء صرح بالحجّ عند الإحرام، وإن شاء نوى، واكتفى بالنية كذا في «المبسوط» (٦).

قال -رحمه الله-: (عند أهلِ السنّة).

هذا (٧) احتراز عن قول بعض أهل العلم الذين هم ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وذكر صدر الإسلام، والإمام الكشاني في جامعيهما: أن من صام، أو صلى، أو تصدق فجعل ثواب صلاته، وصدقته، وصومه لغيره جاز عند أهل السنة والجماعة، وقال بعض أهل العلم: بأنه لا يجوز.

واحتجوا بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٨)، فلم يجعل الله تعالى للمرء إلا ما سعى، وهذا ليس من سعيه، ولأن الثواب هو الجنة وليس له ولاية تمليك الجنة لغيره؛ لأن الجنة ليست بملك له قلنا: أما الآية فإنه لمّا جعل سعيه للغير صار سعيه كسعي الغير، وله ولاية أن يكون ساعيًا وفاعلًا لغيره.


(١) في (ج): وإن.
(٢) ساقطة من (ج).
(٣) في: (ب)، (ج) حجه.
(٤) شرح الجامع الصغير للتمرتاشي (خ. ل. ٦)، الحواشي السعدية نقلا عن التمرتاشي (٣/ ١٤٥).
(٥) شرح الزيادات البرهانية لمؤلفه: برهان الدين بن محمود تاج الدين، وهو لايزال مخطوطاً.
انظر: كشف الظنون (١/ ٨٢٣).
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ١٥٩).
(٧) ساقطة من (ج).
(٨) سورة النجم الآية (٣٩).