للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر القاضي الإمام أبو علي النسفي (١) أن مشايخنا يقولون في الإجارة الرسمية التي تعقد إلى ثلاثين سنة: إذا كان لا يتوهم حياة العاقدين إلى تلك المدة غالبًا بأن كانا شيخين كبيرين أو أحدهما لم يجوّزوا ذلك، وكأن هذا القائل جعل الغالب من الموت كالمتيقن به، ومثل هذا جائز (٢).

ألا ترى أن في فصل (المفقود) إذا مات أقرانه وأترابه يقسم ماله بين ورثته (٣)، ويجعل كأنه مات، وإن كان في قدرة الله تعالى أن يعيشه إلى آخر الدهر، وبعض مشايخنا جوزوا ذلك (٤)، وإليه مال الخصاف (٥)، وكأنه اعتبره بالنكاح؛ فإن من تزوج امرأة إلى مائة سنة أو إلى مدة لا يتوهم حياتهما في تلك المدة، فإن النكاح لا يجوز في ظاهر الرواية، وجعل ذلك بمنزلة نكاح مؤقت، وعن محمد بن سلمة -رحمه الله (٦) أن المزارعة من غير بيان المدة جائزة، ويقع على سنة واحدة، أي: على زرع واحد، وبه أخذ الفقيه أبو الليث (٧) لأنه- أي: - لأن عقد المزارعة عقد على منافع [الأرض، أي: إذا كان البذر من قبل العامل، ومنافع (٨) العامل، أي: إذا كان البذر من قبل رب الأرض، والمدة هي المعيار لها، أي: للمنافع ليُعلم بها أي: ليعلم العقد بالمدة (٩).


(١) هو الحسين بن الخضر بن محمد بن يوسف، الفقيه القشيديرجي القاضي، أبو علي النسفي، أستاذ شمس الأئمة الحلواني، تفقه على محمد بن الفضل الكمارى، قال السمعاني: كان إمام عصره، تفقه ببغداد وناظر المرتضى فى توريث الأنبياء، من أصحاب الإمام أبي بكر محمد بن الفضل، اجتمع به ببخارى، وله أصحاب وتلامذة، مات سنة ٤٢٤ هـ. ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٢١١.
(٢) ينظر: البناية: ١١/ ٤٨٢.
(٣) في (ع): «الورثة».
(٤) ينظر: البناية: ١١/ ٤٨٢.
(٥) ينظر: المصدر السابق: ١١/ ٤٨٢.
(٦) هو: محمد بن سلمة الفقيه، أبو عبد الله، تفقه على أبي سليمان الجوزجاني، تفقه عليه أبو بكر محمد بن أحمد الإيسكاف، مات سنة ٢٧٨ هـ، ونسبه فى القنية إلى (بلخ)؛ وتفقه أيضًا على شداد بن حكيم، روى عن زفر. ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ٥٦.
(٧) هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني، وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: ١٦/ ٣٢٢، الجواهر المضية: ٢/ ١٩٦، الأعلام للزركلي: ٨/ ٢٧.
(٨) في (ع): «أو منافع».
(٩) ينظر: البناية: ١١/ ٤٨٣.