للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وردة المرأة تشارِكها فيها) أي: رِدَّة المرأة تشارك رِدَّة الرجال (١) في أنَّها جِناية مغلَّظة، فيَجِب أنْ تشارك رِدة الرَّجل في موجب ردّة الرّجل وهو القتل.

(ولأنَّ الأَصل تأخير الأجزية إلى دار الجزاء)، كشف هذا الكلام هُو أنَّ قتل المرتدِّ لا باعتبار الجزاء على الرِّدة لأنَّه مجازى عليها في الآخرة أيضًا بعد القتل على الرِّدّة، بل هو مستحَّقٌّ باعتبار الإصرار على الكُفر. ألا تَرى أنَّه لو أَسلم سقط لانعدام الإصرار، وما كان استحقاقه بطريق الجزاء لا يسقُط بالتَّوبة كالحدود، فإنَّه بعد ما ظهر سببُها عند الإمام لا تسقط بالتَّوبة. وقد أَجَبْنا عَن توبة قُطَّاع الطريق في موضِعه، وإذا ثَبت هذا، فنقول: إنَّ الكفر مِن أعظم الجِنايات، وهو جِناية بَين العبد وبين ربِّه، والجزاء عليه مؤخَّر إلى دار الآخرة، وما عُجِّل في الدُّنيا سياسةٌ مشروعةٌ لمصلحة تعود إلى العِباد، كالقِصاص والحدود. ثم المرتدُّ بالإصرار على الكفر يكون محارِبًا للمسلمين، فيُقتل لدَفع المحارَبة، وإذا كان كذلك فلا تُقتَل المرأة لأنَّ بِنيتَها ليستْ بصالحة للمحاربَة، فلا تُقتَل في الكُفر الأصلي، ولا في الطَّارئ.

"وأما قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من بدّل دينه فاقتلوه" (٢) فليس بمجري على ظاهره لأنَّ التَّبديل يتحقَّق مِن الكَافر إذا أسلَم، فعرَفنا أنَّه عامٌ لَحِقه خصوص فنخصَّه، ونحمله على الرِّجال بدَليل ما ذكرنا" (٣)؛ كذا في المبسوط.

وذَكَر في الأسرار: أنّ المرتدَّة تسترقُّ عندنا إذا لَحِقَت بدار الحَرب (٤)، فزالتْ (٥) عِصمة دارنا كالمشركة العَربية، وإنَّما يتغلَّظ حكم قبولِ الإسلام بالالتزام فتُجْبَر عليه، وإنْ استرقَّت بخلاف الحَربية فإنَّها لا تُجبَر على الإسلام بعد الاسترقاق.

وقال الشافعي -رحمه الله-: لا تملك بالاسترقاق وإن لَحِقتْ بدار الحرب كالرَّجل. ألا ترى أنَّها لا تُسبى ما دامَت في دار الإسلام (٦)، إلا أنَّا نقول إنَّها حَربية دينًا ودارًا فتُسبى كالكَافرة الأَصلية، بخلاف ما إذا دامت في دارنا لأنَّ حكم دارنا قائم فيها. ألا ترى أنَّ الملك لا يزول عنها بسبب عِصمة الدَّار بالإجماع، والأَمة يُجبِرها (٧) مولاها.


(١) في (ب) "الرجل".
(٢) سبق تخريجه.
(٣) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٩).
(٤) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ١٣٩).
(٥) في (ب) "وزالت".
(٦) الأم للشافعي (٦/ ١٨١)، الحاوي الكبير (١٣/ ١٦٨)، نهاية المطلب (١٧/ ١٧٤).
(٧) في (ب) "تجبرها".