للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُهُ -رحمه الله- (١): وَجَبَ القضاءُ لَحِقِّ الوقتِ أصلًا لا خلفاً هذا جوابُ عن صَرْفِ الخصْمِ بقولهِ لِتَشَبُّهِ خَلَفٍ فلا يجبُ إِلاَّ على مَنْ يتحققُ الأصلُ، فقالَ: ليسَ الإمساكُ خَلَفًا عن ذاتَ الصَّوْم مجُردًا؛ لأنهُ بعضُ الشيءِ لا يكونُ خَلَفًا عن الكُّلِ، فلا يكونُ خَلَفًا عن ذاتِ الصَّوْم بلْ الإمساكُ خَلَفٍ عنهُ لقضاءِ حقِّ الوقتِ، وذلك معنى معقولٌ؛ لِأَنَّ صومَ رمضانَ وجبَ بالوقتِ قضاءً لِحُرْمَةِ الوقتِ، كما وَجَبَ حَجَّ البيتِ بسببِ البيتِ قضاءً لِحَقِّهِ، ولهذا ثبتَ لِوقتِ رمضانَ زيادةُ فضلٍ على سائِرِ الشَّهورِ، فوجبَ قضاءُ حقِّ الوقتِ بالصَّوْم على مَنْ كان أهلًا، وبالإمساكِ على مِنْ عَجَزَ عنهُ بمعنى سابقٍ لا لمعنى قائِمٍ في الحالِ بخلاف الحائضِ، والنُفَسَاءِ، وإذا لم يكنْ خَلَفٌ عن ذاتِ الصَّوْم لم يُبْنَ على وُجوبِ الصَّوْم، بلْ بُني على كينونةِ الوقتِ وَقتًا لِصَومِ الفرضِ، وأنهُ ثابِتٌ فلذلك يختصَّ الخلفُ بمن هو مِنْ أهل الأصلِ للحالِ، وعَجَزَ عنهُ لمِناقِضٍ سابقٍ، كذا في «الْأَسْرَارِ» (٢).

(وإذا تسحَّرَ، وهو يظنُ أنَّ الفجرَ لم يطلعْ) إلى آخرِه، هذهِ المسألةُ تتضمُن أحكامًا خمسةً: أحدٌها: أنهُ أَفسَدَ صومَهُ إِلاَّ على قولِ ابْنِ أبي لَيْلَى (٣)، فإنُه يقَيسَهُ على الناسِي بناءً على أصلهِ أنَّ المخصوصَ من القياسِ بالنصِّ يُقاسُ عليهِ، وعِنْدَنَا المخصوصُ منَ القياسِ/ بالنصِّ لا يقاسُ عليهِ فإنَّ قِياسَ الأصلِ يُعارضُهُ، ولا يلحقُ به إِلاَّ إذا كانَ في معناُه مِن كُلِّ وجهٍ.

وهذا ليسَ في معنى الناسِي؛ لأَنَّ الاحترازَ عن هذا الغلطِ ممكنٌ في الجُملةٍ بخلافِ النسيانِ، ثُمَّ فسادُ صومِهِ يفوتِ رُكْنِ الصَّوْم، وهو الإمساكُ.

والثاني: أنَّ عليه قضاءَ اليومِ (٤)؛ لأنهُ فَوَّتَ الأداءَ بعدَ تَقَرُّرِ السببِ الموُجبِ لهُ فيضمنهُ بالمثلِ مما هو مشروعٌ لهُ.

والثالث: أنهُ لا كفارةَ عليهِ لما ذُكِرَ في الكتابِ (٥).


(١) هو صاحب بِدَايَةُ المُبْتَدِي برهان الدين الْمَرْغِينَانِي رحمه الله. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(٢) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٣).
(٣) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٤)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٣).
(٤) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٤)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٦٦).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٣٠)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٥).