للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ، أي: لو قلنا بأن نافلته لا تجوز بدون النزول فيتعذر النزول ينقطع عنه (١) حينئذ صلاة النافلة وهي خير موضوع مشروع على حسب النشاط، فلو ألزمناه النزول يتعذر عليه أداء ما ينشط (٢) فيه من التطوعات أو ينقطع هو عن القافلة (٣) أي: على تقدير النزول، وكلاهما ضرر، وهذا الضرر إنما ينبغي بالقول بجواز صلاة (٤) التطوع على الدابة (٥). وفي «المبسوط» (٦): ولو لم يكن له في التطوع على الدابة من المنفعة إلا حفظ اللسان، وحفظ النفس عن الوساوس والخواطر الفاسدة لكان ذلك كافيًا، ولا يصلي المسافر المكتوبة على الدابة من غير عذر؛ لأن المكتوبة في أوقات مخصوصة، فلا يشق عليه النزول لأدائها (٧) بخلاف التطوع، ومن الأعذار الخوف من اللص والسبع وطين المكان، وكون الدابة جموحًا، وكون المسافر شيخًا كبيرًا لا يجد من يركبه، فعند هذه الأحوال يجوز المكتوبة على الدابة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (٨).

وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه ينزل لسنة الفجر، وذكر ابن شجاع (٩) أن ذلك يجوز أن يكون لبيان الأولى، يعني: أن الأولى أن ينزل لركعتي (١٠) الفجر/ والتقييد بخارج المصر بنفي اشتراط السفر، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله أن جواز التطوع على الدابة يطلق (١١) للمسافر خاصة؛ لأن الجواز بالإيماء بخلاف القياس لأجل الضرورة (١٢) إنما يتحقق في السفر لا في الحضر، والصحيح: أن المسافر وغير المسافر في ذلك على السواء بعد أن يكون خارج المصر إلا أن الكلام بعد هذا في مقدار ما يكون بين ذلك الخارج وبين المصر حتى يجوز له التطوع على الدابة، وذكر في الأصل: إذا خرج من المصر فرسخين (١٣) أو ثلاثة فله أن يصلي على الدابة (١٤)، وقال بعضهم: بقدر الميل وإن كان أقلّ من ذلك فلا يجوز، هذا كله في «المحيط» (١٥). والجواز في المصر، أي: ينفي الجواز في المصر (١٦). وذكر في الهارونيات (١٧): أن عند أبي حنيفة لا يجوز التطوع على الدابة في المصر، وعند محمد يجوز ويكره، وعند أبي يوسف لا بأس به، فأبو حنيفة قال: التطوع على الدابة بالإيماء جوزناه بالنص بخلاف القياس، وإنما ورد النص به خارج المصر، والمصر في هذا ليس في معنى خارج المصر؛ لأن سيره على الدابة في المصر لا يكون ممتدًا (١٨) عادة، فرجعنا فيه إلى أصل القياس، وحكي أن أبا يوسف رحمه الله لما سمع هذا من أبي حنيفة رحمه الله قال: حدثني فلان عن (١٩) فلان: «أن النبي عليه السلام ركب الحمار (٢٠) في المدينة يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه (٢١) فكان يصلي وهو راكب» (٢٢)، فلم يرفع أبو حنيفة رحمه الله رأسه قيل: إنما لم يرفع رأسه رجوعًا منه إلى الحديث (٢٣)، وقيل: بل هذا حديث شاذ فيما يعم به البلوى، والشاذ في مثله لا يكون حجة عنده، فلهذا لم يرفع رأسه، وأبو يوسف رحمه الله أخذ بالحديث، ومحمد كذلك، إلا أنه كره ذلك في المصر؛ لأن اللفظ فيه فلكثرة اللفظ ربما يبتلى بالغلط في القراءة، فلهذا كره. كذا في «المبسوط» (٢٤) و «المحيط» (٢٥)، إلا أنه ذكر في «المحيط» (٢٦): قال أبو يوسف غير (٢٧) ذلك حدثني فلان وسمَّاه عن سالم (٢٨) عن ابن عمر مكان قوله: حدثني فلان عن فلان فإن افتتح التطوع راكبًا، ثم نزل يبني (٢٩)، فإن قيل: القول بالبناء هاهنا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف، وذلك لا يجوز كالمريض إذا صلى بعض صلاته بالإيماء، ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء تحرزًا عما قلنا.


(١) - ساقط من ب (النافلة، أي: لو قلنا بأن نافلته لا تجوز بدون النزول فيتعذر النزول ينقطع عنه)
(٢) - في ب يبسط بدل من ينشط
(٣) - في ب النافلة بدل من القافلة
(٤) - ساقط من ب (بجواز صلاة)
(٥) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٣، والجوهرة النيرة: ١/ ٧٥.
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٨.
(٧) - في ب للاداء بها بدل من للادائها
(٨) سورة البقرة الآية (٢٣٩).
(٩) هو: محمد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه: "المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة".
(الجواهر المضية: ٢/ ٦٠)، و (الفوائد البهية: ص ١٧١)، و (شذرات الذهب: ٢/ ١٥١).
(١٠) - في ب كركعتي بدل من لركعتي
(١١) - في ب مطلق بدل من يطلق
(١٢) - في ب والضرورة بدل من الضرورة
(١٣) الفرسخ: فارسي معرب، بمعنى السكون، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح، كأنه سكن. ويساوي ثلاثة أميال، ويساوي في عصرنا ٥٥٤٤ متراً تقريباً. انظر: لسان العرب (فرسخ) ٣/ ٤٤، معجم لغة الفقهاء ص ٤٥١، المقادير الشرعية للكردي ص ٢٧١.
(١٤) - في ب زيادة ب (وذكر في الاصل) بدل من الدابه
(١٥) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٦.
(١٦) - ساقط من ب (أي: ينفي الجواز في المصر)
(١٧) الهارونيات: إحدى كتب مسائل النوادر عند الحنفية، وهي غير كتب ظاهر الرواية، التي تضم الرقيات لمحمد بن الحسن والأمالي لأبي يوسف وغيرهما، وكلها مفقودة سوى جزء صغير من الكيسانيات طبع في دائرة المعارف في الهند. انظر: المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ص ٨٥، ١٢٥.
(١٨) - في ب شديداً بدل من ممتداَ
(١٩) - في ب بن بدل من عن
(٢٠) - في ب والبغل بدل من الحمار
(٢١) هو: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، الخزرجي، أبو ثابت: صحابي، من أهل المدينة. كان سيد الخزرج، وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والاسلام. وكان يلقب في الجاهلية بالكامل (لمعرفته الكتابة والرمي والسباحة) وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار. وشهد أحدا والخندق وغيرهما. وكان أحد النقباء الاثنى عشر. خرج إلى الشام مهاجرًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فمات بحوران.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٦٥)، و (الطبقات الكبرى: ٣/ ٦١٣)، و (تهذيب الكمال: ١٠/ ٢٧٧).
(٢٢) رواه البخاري في صحيحه (٤٢٩٠)، كتاب تفسير القرآن، باب {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}. ومسلم في صحيحه (١٧٩٨)، كتاب الجهاد والسير، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله. من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(٢٣) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٩.
(٢٤) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٩.
(٢٥) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٦.
(٢٦) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٦.
(٢٧) - في ب عند بدل من غير
(٢٨) هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشي العدوي: أحد فقهاء المدينة السبعة ومن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم. دخل على سليمان بن عبد الملك فما زال سليمان يرحب به ويرفعه حتى أقعده معه على سريره. توفي في المدينة.
(الثقات لابن حبان: ٤/ ٣٠٥)، و (التاريخ الكبير: ٤/ ١١٥)، و (الجرح والتعديل: ٤/ ١٨٤).
(٢٩) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٤.