للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا ذلك أولى؛ لأن عموم قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (١) كما يتناول المسلم والكتابي، فكذلك يتناول الوثني والمرتد والمجوسي؛ فلا تحل ذبيحتهم بالاتفاق.

ويحل إذا كان يعقل التسمية.

قيل: معناه: أن يعلم أن حل الذبيحة بالتسمية.

(والذبيحة)، وفي نسخة (والذبحة) أي: أن يقدر على الذبح.

(ويضبط) أي: يضبط ويعلم شرائط الذبح من فَرْي الأوداج والحلقوم.

وصحة القصد بما ذكرنا أراد به قوله تعالى: {وَيُحِلُّ} (٢) إذا كان يعقل التسمية والذبيحة ويضبط.

فإن قلت: فعلى هذا كيف يصح قوله: أو مجنونًا إذ لا قصد له؛ لأن القصد إنما يكون بالعقل.

قلت: جاز أن يريد بالمجنون المعتوه، كما ذكر في (الحجر) هكذا، فقال: (ومن باع من هؤلاء) إشارة إلى الثلاثة الذين منهم المجنون، وهو يعقل البيع ويقصده (٣)، ثم قال بعده: والمجنون قد يعقل البيع ويقصده، إلى أن قال: وهو المعتوه (٤) الذي يصلح وكيلاً عن غيره.

والأقلف والمجنون سواء، أي: في حال ذبيحتهما، وإنما ذكر الأقلف احترازًا عن قول ابن عباس -رضي الله عنه- فإنه كان يقول: «شهادة الأقلف وذبيحته لا تجوز» (٥)، لما ذكرنا أراد به ما ذكره من العمومات من قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٦).

وقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٧) [ينتظم] (٨) الكتابي الذمي بدون حرف العطف على طريق الصفة والموصوف.

(والمرتد) بالجر أي: لا تؤكل ذبيحة المرتد؛ لأنه إذا ارتد إلى غير دين أهل الكتاب فلا إشكال فيه؛ لأنه [كالكافر] (٩) الأصل فيما [هو] (١٠) يعتقده، وإن أريد إلى دين أهل الكتاب فلأنه غير مُقَرٍّ على ما اعتقده، وقد ترك ما كان عليه فلا علة له، والنكاح وحل الذبيحة ينبني على الملة. كذا في «المبسوط» (١١).


(١) سورة المائدة، من الآية: ٣.
(٢) سورة الأعراف، من الآية: ١٥٧.
(٣) في (ع): «والعهدة».
(٤) في (ع): «المعقود».
(٥) صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: ٥/ ٢١، كتاب البيوع والأقضية، باب في شهادة الأقلف، برقم: ٢٣٣٣٣، وحكم عليه ابن حزم بالصحة في «الإعراب عن الحيرة والالتباس»: ٢/ ٨٢٥.
(٦) سورة المائدة، من الآية: ٣.
(٧) سورة المائدة، من الآية: ٥.
(٨) زيادة من: (ع).
(٩) في (ع): «كان كافر».
(١٠) ساقطة من: (ع).
(١١) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٤٥.