للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عليه متمسك بما هو الأصل؛ لأنَّ الأصل براءة الذمم وأن تكون الأملاك في يد الملاك (١) فهو غير محتاج إلى شيء آخر مؤكد قوله؛ لتمسكه بالأصل وإنَّما المحتاج إليه المُدَّعِي [لدعواه] (٢) ما هو خلاف (٣) الظاهر فلما جاء المُدَّعِي بشاهد واحد تقوُّى صدقه لكن صدق الْمُدَّعَى عليه متقوٍ من جهة أخرى أيضاً بشهادة الأصل له على ما ذكرنا فاستويا في احتمال غلبة الصدق لتساويهما فيما يوجب الترجيح فوقعت المعارضة فاحتيج إلى الترجيح فترجح جانب المُدَّعِي بانضمام الشاهد الثاني إلى الأول والمعنى في انضمام الشاهد الثاني إلى جانب المُدَّعِي دون جانب الْمُدَّعَى عليه ظاهر وهو علة مجانسة الشهود أو مجانسة انضمام الحادث إلى الحادث؛ لأنَّ الشاهدين كليهما حادثان.

وأمَّا لو قلنا باليمين على المدّعي فلا يخلو إمَّا أن نقول قبل ترجح جانب المدّعي بشاهد واحد أو بعده لا وجه للقول قبله؛ لأنَّ ذلك يوجب الترجيح قبل المعارضة، والمعارضة إنما تكون بالمساواة [ولا مساواة] (٤) لقول المُدَّعِي مع قول الْمُدَّعَى عليه؛ لرجحان قول الْمُدَّعَى عليه على ما ذكرنا ولا وجه بعده أيضاً لانعدام علة مجانسة الضم؛ لأنَّ اليمين ليست من جنس الشهود بخلاف الشاهد الثاني فإنَّه من جنس الشاهد الأوّل ولأنَّ معنى الإتواء مقابلة الإتواء الذي هو المشروع كما في القصاص إنَّما يتحقق أن لو جعل اليمين في جانب الْمُدَّعَى عليه [لأنَّ الْمُدَّعَى عليه] (٥) لما أتوى مال المُدَّعِي بإنكاره جعل الشارع إتواء نفسه باليمين الكاذبة على زعم المُدَّعِي في جانب الْمُدَّعَى عليه [ولو جعل اليمين على المُدَّعَى لا يحصل هذا المعنى فلذلك تعيَّن جانب المُدَّعِي بالبينة وجانب الْمُدَّعَى عليه] (٦) باليمين؛ (لانتفاء التهمة/ عنها) أي: عن الدَّعْوَى لما روينا وهو قوله -عليه السلام-: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ» (٧) (ولابد من طلبه) أي: طلب الاستحلاف (لأن اليمين حقه) أي: حق المدّعي (ألا ترَى كيف أضيف إليه بحرف اللام) (٨) أي: أضيف إلى المدّعي بحرف اللام بقوله -عليه السلام-: «لَكَ يَمِينُهُ» (٩) ثُمَّ اعلم أن يمين الْمُدَّعَى عليه كما [هِيَ حَقُّ] (١٠) المُدَّعِي من حيث أنَّها لا تستوفى بدون طلبه وهي أيضاً حَقُّ للْمُدَّعَى عليه من حيث أن شرعيتها إنَّما كانت لإظهار صدق الْمُدَّعَى عليه وما كان يرجح صدق الإنسان كان حقاً له إلى هذا أشار في المَبْسُوط (١١). والله أعلم بالصواب.


(١) يُنْظَر: الإحكام لابن حزم (٥/ ٤٢).
(٢) [ساقط] من (ج).
(٣) في (ب) تكرار (خلاف) والمعنى يستقيم بدونها.
(٤) [ساقط] من (ج).
(٥) [ساقط] من (ج).
(٦) [ساقط] من (ج).
(٧) سبق تخريجه، ص (١٩٧).
(٨) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٦).
(٩) سبق تخريجه، ص (١٩٧).
(١٠) في (أ) (بقي من).
(١١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٦/ ٦٩).