للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ إنَّ الْمُدَّعِي يزعم أنَّه صار متوياً حقه بإنكاره (١) فالشرع جعل له حق استحلافه حتى إن كان الأمر كما زعم فاليمين الغموس مهلكة للمدعى عليه فيكون اليمين إتواء (٢) بمقابلة الإتواء، وهو مشروع كالقصاص وإن كان بخلاف ما زعم فالْمُدَّعَى عليه [ينال] (٣) الثواب بذكر اسم الله تعالى صادقاً، ثُمَّ إنَّما رتب [اليمين] (٤) على البينة لا على العكس؛ لأنَّ نفس الدَّعْوَى ليست بموجبة استحقاق المُدَّعَى للمُدَّعِي؛ لأنَّ فيه إساءة الظن بالآخر وذلك لا يجوز فوجبت إقامة البينة على المُدَّعَى لإثبات استحقاقه بها فيطالبه القاضي بذلك لا على وجه الإلزام عليه بل على وجه التذكير له فلعله يغفل عن ذلك فلو قدَّمنا اليمين لم يكن فيه نظر للمدَّعى عليه إذ إقامة البينة مشروعة بعد اليمين، ثُمَّ لو حلّفناه أولاً ثُمَّ أقام الْمُدَّعِي البينة افتضح المُدَّعَى [عليه] (٥) باليمين الكاذبة وأثر كون اليمين حق المدَّعِي هو أن اليمين لا تستوفى إلَّا بطلبه.

فإن قيل: كيف يستحقها بنفس الدَّعْوَى قلنا: كما يستحق الإحضار والجواب على ما ذكرنا من قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨)} (٦) والمعنى فيه هو أن دعوى المدّعي وإنكار الْمُدَّعَى عليه خبران قد تعارضا ولا يتمكن القاضي من تركهما على ذلك لما فيه من امتداد الخصومة بينهما فلابدَّ من طلب رجحان جانب الصدق في خبر أحدهما وذلك في بينة المدّعي أو [يمين] (٧) الْمُدَّعَى عليه إلى هذا أشار في المَبْسُوط (٨).

فإن قلت: ما وجه تخصيص جانب المُدَّعِي بالبينة وجانب الْمُدَّعَى عليه باليمين ولم ينعكس مع أنَّ المعنى المطلوب من هذا وهو إظهار صدق كل واحد منهما في هذا يتحقق في العكس أيضاً وما وجه تخصيص عدد الاثنين في البينة؟

قلت: ذاك لمعنىً فقهي بعد ورود الشرع به، وهو أن كل واحد من المُدَّعِي والْمُدَّعَى عليه محتاج إلى نوع تأكيد ليترجح جانب صدقه على الآخر وإن لم يكن ذلك المؤكد حجة ملزمة.


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٥٢).
(٢) الاتواء: الإتلاف والهلاك. يُنْظَر: المعجم الوسيط (١/ ٩١)، جمهرة اللغة (١/ ٢٢٩).
(٣) في (أ) (ينالي).
(٤) [ساقط] من (أ).
(٥) [ساقط] من (أ).
(٦) سورة النور من الآية: (٤٨).
(٧) في (أ) و (ب) (عين).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٥٥).