للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط: أنَّ إقراض أحَد المتفاوضين يلزم شريكه عند أبي حنيفةلأنَّه مفاوضة، وعندهما لا يلزم شريكهلأنَّه تبرُّع، ثُمَّ قال: وإذا أقرض أحد المتفاوضَين فهو ضامِن نصفَ/ ما أقرض لشريكهلأنَّه متعدٍّ في نصيب شريكه بتصرُّفه في المال على غير ما هو مقتضى الشّركة (١)، ذكره في أول "باب بضاعة المفاوض".

(ولو سُلِّمَ فهو إعارة) أي: ولئن سلَّمنا أنَّ إقراض أحد المتفاوضين لا يلزم صاحبه قلنا: إنّما لا يلزمهلأنَّ الإقراض إعارةٌ لا معاوَضة بدليل جوازه، إذ لو كان معاوَضة لكان فيه بيع النّقد بالنسيئة في الأموال الرِّبوية، فعُلِم بهذا أنَّ لما يأخذه المقرِض بعد الإقراض حكم عَين ما أقرضه، لا حكم بدَلِه كما في الإعارة الحقيقية.

وقوله: (حتَّى لايصحُّ فيه الأجل) أي: لا يلزملأنَّ تأجيل الإقراض والعارية جائز، ولكن لا يلزم المُضي على ذلك التَّأجيل.

(ومطلق الجواب في الكتاب) أَي: قوله (ولو كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة -رحمه الله- محمول على المقيَّد، وهو الكفالة بأمْر المكفول عنه وهو المدْيُونلأنَّه حينئذ يكون معاوَضة انتهاءً وإلَّا فهو تبرُّعٌ ابتداءً وانتهاءً، فلا يلزم شريكه؛ وضمان الغصب والاستهلاك، وكذلك ضمان الخلاف في الوديعة أو العارية والإقرار بهذه الأشياء أيضًا يلزم شريكه (٢)؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

ثم تخصيص قول أبي حنيفة في قوله: بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة -رحمه الله- إنَّما يصحّ في حقِّ الكفالة لا في حقِّ ضمان الغصْب والاستهلاك، فإنَّ في ضمان الغَصْب والاستهلاك محمدًا مع أبي حنيفة في أنَّه يلزم شريكَه، وفي الكفالة مع أبي يوسف كما ذكر في الكتاب لأبي يوسف -رحمه الله- في ضمان الغَصب والاستهلاك، وأنَّ هذا الضمان واجب لسبب (٣) ليس هو تجارة، فلا يلزم شريكه كأرش الجناية؛ ولأنَّه بدَل المستهلَك والمستهلك لا يحتمل الشَّركة؛ وهما يقولان: إنَّ ضمان الغَصْب والاستهلاك ضمان تجارة بدليل صحّة إقرار المأذون به، وكونه مؤاخذًا به في الحال. وكذلك يصح إقرار الصّبي المأذون والمكاتَب به، وهذالأنَّه بدل مال محتمِل للشركةلأنَّه إنَّما يجِب بأصل التسبُّب (٤) وعند ذلك المحلِّ قابل للملك (٥)، ولهذا ملك المغصوب والمستهلَك بالضمان. ولما كان كذلك كان كلُّ واحد من شريكَي المفاوضة ملتزِمًا


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ١٨٠).
(٢) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٦٤).
(٣) في (ب) "بسبب".
(٤) في (ب) "السبب".
(٥) في (ب) "للمالك".