للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (١) قلنا إن ممّا أنزل الله أن لا يلزم حكم الخطاب إلا بعد البلوغ والخطاب في حقّهم كأنّه غير نازل فإنّهم يكذبون المبلغ، ويزعمون أنه لم يكن رسولاً، وقد انقطعت ولاية الإلزام بالسّيف وبالمحاجة؛ لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصراً عنهم، وشيوع الخطاب إنّما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولاً فإذا اعتقدوا ذلك بأن أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقّهم كذا في الأسرار والْمَبْسُوطِ (٢)، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيه فإن عند مالك وابن أبي ليلى-رحمهما الله- النكاح بغير الشّهود جائز ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات ولكن لا يتعرّض لهم لمكان عقد الذمة وإذا كان كذلك فلما رافعوا أو أسلموا وجب الحكم فيهم بما هو حكم الإسلام كما في نكاح المحارم وهذا إذا رفع أحدهما الأمر إلينا أو أسلم والعدّة غير منقضية فرق بينهما.

وأمّا إذا كانت المرافعة أو الإسلام بعد انقضاء عدّة الزّوج الأوّل ولكن كان تزوج الزّوج الثّاني قبل انقضاء عدّة الزّوج الأوّل لا نفرق بالإجماع أو الإسلام بعد انقضاء العدة لا نفرق بالإجماع كذا في الْمَبْسُوطِ (٣) والأسرار.

ولأَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أن الحرمة لا يمكن إثباتها إلى آخره واختلف مشايخنا في [قول] (٤) أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- منهم من يقول: العدة لا تجب من الذمي؛ لأنّ وجوبها؛ لحق الشّرع أو؛ لحق الزّوج ولا يمكن إيجابها؛ لحق الشّرع هنا؛ لأنّهم لا يخاطبون بذلك، ولا لحق الزوج؛ لأنّه لا يعتقد ذلك وإذا لم تجب العدة كان النكاح صحيحًا، ومنهم من يقول العدة واجبة، ولكنها ضعيفة لا تمنع النكاح بناء على اعتقادهم كالاستبراء فيما بين المسلمين فكان النكاح صحيحًا، وبعد المرافعة أو الإسلام الحال حال بقاء النكاح، والعدّة لا تمنع بقاء النكاح كالموطوءة إذا وطئت بالشّبهة كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) فانظر كيف جمع المصنف -رحمه الله- بين القولين بنكته واحدة حيث جعل أول التّعليل بتعليل البعض وأتم آخره بتعليل البعض الآخر.

قوله: -رحمه الله- وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ (٦) احتراز عن قول مشايخ العراق فإنّهم قالوا له حكم الفساد وقال مشايخنا له حكم الجواز واتفقوا على قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أنّه لا يجري الإرث ويقضي بالنّفقة ولا يسقط إحصانه متى دخل بها واتفقوا على قوله أيضاً لو تزوج أختين في عقده واحدة ثم فارق أحديهما قبل الإسلام ثمّ أسلم أنّ الباقية نكاحها على الصحّة حتى يُقرّا عليه.


(١) المائدة من الآية: ٤٩.
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤٠).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٣٩).
(٤) وفي (ب): (حق).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٣٩).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥١٦).