للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصله أنّ الذمي إذا تزوج محارمه أو تزوّج خمس نسوة أو أختين فما داموا على الكفر ولم يترافعوا إلينا لم يتعرّض لهم بالاتفاق إذا كانوا يدينون ذلك غير أن على قول أبي يوسف ومُحَمَّد -رحمهما الله- هذا النكاح [يقع] (١) فاسد حالة الكفر حتى طلبت من قاضي المسلمين النّفقة فالقاضي لا يقضي لها بذلك ولا يجري الإرث بينهما وإذا دخل بها يسقط إحصانه حتّى لو أسلم بعد ذلك وقذفه قاذف لا يحدّ.

[وأمّا قول أبي حينفة -رحمه الله-فقد اختلف المشائخ وقد ذكرناه كذا في المحيط فوجه] (٢) قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أنّ الكافر لو تزوّج مجوسيّة صحّ النكاح بالاتّفاق والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشّرع كذوات المحارم وإنّما حكمنا بجوازه بينهم لأنّ الخطاب في حقّهم كأنه غير نازل فإنهم يكذبون المبلغ إلى آخر ما قرّرنا من الْمَبْسُوطِ (٣) فلما قصر الخطاب عنهم بقي حكم المنسوخ في حقّهم ما لم يثبت النّاسخ كما بقي حكم جواز الصّلاة إلى بيت المقدس في حق أهل قباء لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى الكعبة فإذا ثبت حكم صحة النكاح بهذا الطّريق ثبت به ما هو من ضرورة صحّة النكاح كالنّفقة وبقاء الإحصان فأمّا الميراث فليس من ضرورة صحّة النكاح من كل وجه فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق واختلاف الدين إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- إن رفع أحدهما الأمر إلى القاضي وطلب حكم الإسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأتي ذلك وعندهما نفرق بينهما لأن أصل النكاح كان باطلاً ولكن ترك التعرض كان للوفاء بعقد الذمّة فإذا رفع أحدهما وانقاد لحكم الإسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول أصل النكاح كان صحيحًا فرفع أحدهما إلى القاضي ومطالبته بحكم الإسلام لا يكون حجّة على الآخر في إبطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضاً لاعتقاد الآخر فبقي حكم الصحّة على ما كان.

بخلاف ما إذا أسلم فإنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضاً لإسلام المسلم منهما.

وبخلاف ما إذا رفعا لأنّهما إنقادا لحكم الإسلام فيثبت حكم الخطاب في حقّهما بانقيادهما له وإليه أشار الله تعالى في قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} (٤) فيكون مرافعتهما كإسلامهما كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح كما تنافي ابتداء النكاح حتّى لو اعترضت المحرميّة في نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة يبطل النكاح بخلاف العدّة على ما مرّ.


(١) زيادة من (ب).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤٠).
(٤) سورة المائدة من الآية: ٤٢.
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤٠).