للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الْمَبْسُوطِ (١) فأمّا إذا تزوّج الكافر ذات رحم محرم منه من أم أو ابنة أو أخت فإنّه لا يتعرّض لهم في ذلك وإن علم القاضي ما لم يرفعوا إليه إلا في قول أبي يوسف -رحمه الله- الآخر ذكره في كتاب الطّلاق أنّه يفرق بينهما إذا علم ذلك لما روي أنّ عمر -رضي الله عنه- كتب إلى عماله: أن فرقوا بين المجوس وبين محارمهم وامنعوهم عن الرمرمة، إذا أكلوا (٢)، ولكنّا نقول هذا غير مشهور وإنّما المشهور ما كتب به عمر بن عبدالعزيز إلى الحسن البصري -رحمهما الله-: ما بال الخلفاء الرّاشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخمور والخنازير وكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنّما أنت متبع ولست بمبتدع والسّلام، ولأنّ الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا لم يشتغل أحد منهم بذلك مع علمهم أنّهم يباشرون ذلك ولا يجوز أن يتزوّج المرتد (٣)؛ لأنّ المرتدّ مستحق القتل والمستحق إلى جهة كالمصروف إلى تلك الجهة، فصار كالميّت فلا ينتظم مصالح النكاح وكذا المرتدة لا يتزوّجها مسلم ولا كافر فقد عمّ الكافر ليتناول أهل الكتاب والمشركين والمرتدين فإنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ (٤)، ولايجوز نكاح المرتدة مع أحد لأنها مأمورة بالتأمّل لتعود إلى الإسلام وممنوعة من الاشتغال بشيء آخر ولأنّها بالردّة صارت محرمة فالنكاح يختص بمحل الحلّ ابتداء أو تحبس هي لتسلم فلا ينتظم مصالح النكاح بالمحبوسة فإن كان أحد الزّوجين مسلمًا فالولد على دينه.

فإن قلت: كيف يصحّ هذا التّعميم ولا وجود لنكاح المسلمة مع كافر أي كافر كان.

قلت: هذا محمول على حالة البقاء بإن أسلمت المرأة ولم يعرض الإسلام على الزّوج بعد فجاءت بالولد والشافعي-رحمه الله- (٥) يخالفنا فيه أي في جعل الولد تبعًا للكتابي فإنّه يجعل الولد تبعًا للمجوسي في حقّ حلّ الذّبيحة والنكاح حتّى حلّ ذبيحة ذلك الولد المولود بين الكتابي والمجوسيّ ويحل مناكحته للمسلمين ولا يحلّ ذلك عند الشّافعي-رحمه الله- (٦) فقال وقعت المعارضة بينهما فإنّ أحدهما يوجب الحرمة والآخر يوجب الحل فيغلب موجب الحرمة للحديث بخلاف ما إذا كان أحدهما مسلمًا لأنّ الكفر لا يعارض الإسلام ولكنّا نستدلّ بقوله -عليه السلام-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» (٧). الحديث، فقد جعل اتفاق الأبوين علّه ناقل عن أصل الفطرة فيثبت ذلك فيما أتفق عليه الأبوان وفيما اختلفا فيه يبقى على أصل الفطرة أوعلى ما هو أقرب إلى أصل الفطرة ونحن بينا التّرجيح وهو قوله لأنّ فيه نوع نظر له وذلك لأنّا لو قلنا بأنّه كتابي تحلّ ذبيحته ويجوز مناكحته فكان فيه نظر للولد ولأنّ الكتابي يعتقد التّوحيد أو يظهره فكان في جعل الولد تبعًا له نوع نظر للولد وذلك واجب كذا في الْمَبْسُوطِ (٨).


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤١).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٣٩)، والأثر أصله عند البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب (٤/ ٩٦) برقم (٣١٥٦).
(٣) الراء والدال أصل واحد مطرد منقاس، وهو رجع الشيء. تقول: رددت الشيء أرده ردًا. وسمي المرتد؛ لأنه رد نفسه إلى كفره مقاييس اللغة (٢/ ٣٨٦).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١١١).
(٥) (قال الشَّافِعِيُّ) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَالْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِهَا الْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ يُنْظَر: الأم (كِتَابُ الصَّدَاقِ) (٥/ ٥٧).
(٦) (قال الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ إلَى أَيِّ دِينٍ ما ارْتَدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ في ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ على أَدْيَانِهِمْ، (قال الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يَنْكِحَ قبل الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا وَثَنِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له إلَّا ما يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ على دِينِهِ فَإِنْ نَكَحَ فاصاب وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَلَا أَمَتَهُ وَلَا امْرَأَةً هو وَلِيُّهَا مُسْلِمَةً أو مُشْرِكَةً وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُشْرِكًا وإذا أَنْكَحَ فَإِنْكَاحُهُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. يُنْظَر: الأم، باب: ذبيحة المرتد (٦/ ١٦٤).
(٧) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين (٢/ ١٠٠) (١٣٨٥)، رواه مسلم في كتاب القدرباب معنى كلّ ولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكُفَّار وأطفال المسلمين (٤/ ٢٧٤) (٢٦٥٨).
(٨) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤٤).