للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يلحقُ به مسألةُ ليمسّنَ السماءَ (١) ونحوها، (وقيل: معناهُ لا يُطيقونَهُ)، وحرف لا مضمرَ فيهِ كقولهِ: يبيّنُ اللهُ لكم أنْ تضلوا، أي: لئلا تضِلوا {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} (٢)، أي: لَئلِا تميزُهُم، وقِيلَ: معناه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (٣) والآيةُ وردتْ في حقِّ الشيخِ الفاني، كذا في «المَبْسُوط» (٤)، و «شرح الكافي». ولوَ قدُرَ على الصِّيَامِ يُبطلُ حُكْمُ الفِداءِ، أيْ: يبطلُ حُكْمُ الفداءِ الذي فداهُ فصارَ كأنهُ لم يفدْهُ حتى يجبَ عليهِ الصَّوْم، فإنْ قلْتَ: الحُكْمُ التعلقُّ بالحلفِ إذا تَمَّ بهِ لا يُعطى لهُ حُكْمُ البُطلانِ بعدَ التَّمامِ كما إذا صلَّى بالتيممِ، ثُمَّ وَجَدَ الماء، وكما إذا صامَ الحانثُ المُعْسِرُ عن الكفارةِ، ثُمَّ استغنى (٥).

قلت: شَرْطُ جوازِ الحَلَفِ عن الصَّوْم هنا دوامُ العَجْزِ عن الصَّوْم إلى موتهِ، لما أنَّ الشيخَ الفاِني هو الذي يزدادُ كُلَّ يومِ ضعفُهُ إلى موتهِ، وإِلاَّ لَا يكونُ شيخًا فانيًا، فكانَ هو نظيرُ الآيسةِ في اشتراطِ دَوام الإياسِ إلى موتهِا لخروجِها عن حُكْم ذواتِ الحيضِ، فصارتْ قُدرتُهُ على الصَّوْم، وإنْ كانتْ بعدَ الفداءِ كَقُدْرَةِ المتيممِ على الماءِ في خلالِ الصَّلَاةِ، واستغناءُ الحانثِ في خلالِ صومهِ عن كفارةٍ، فلما كانَ كذلكَ كانتْ قدرتُهُ علىِ الصَّوْم قُدْرَةً على الأصلِ قبلَ تمامِ الحُكُم بِالخَلَفِ، وهو مُوجبُ بُطلانِ الحُكْمِ التعلُّقِ بِالَخَلفِ، فإنْ قلتَ: لو كانَ هذا نظيرُ الإياسِ ينبغي أنْ لا يبطلُ حُكْمُ الفِداءِ بعَد تحققهِ، كما أنّ العجوزَ الكبيرةَ التي حَكَمَ بإياسِهَا إذا اعتدَّتْ بالشهورِ، وتزوجتْ بزوجٍ آخَر، ثُمَّ رأتْ الدمِ لا يبطلُ الِنّكاحُ. كذا ذكرهُ الإمامُ الزعفراني، ذكره في «المَبْسُوط» (٦).

قلتُ: عدمُ بطلانِ الاعتدادِ، والنكاحِ هنا لا باعتبارِ أنَّ دوامَ الإياسِ ليسَ بشرطٍ لكونها آيسةً، بل باعتبارِ أنَّ الذي رأتهُ مِنَ الدمِ بعدَ الحُكمِ بالإياسِ ليسَ بحيضٍ، وقالَ في «المَبْسُوط» (٧): لأنَّ الظاهَر أنَّ الدَم في هذهِ الحالةِ من فسادِ الرَّحمِ أو الفداءِ لا أنهُ حيضٌ، فلذلكَ لم يبطلْ بهِ ما تقدَّمَ مِنَ الحُكْمِ بالإياسِ، وإنْ ماتَ وعليهِ قضاءُ رمضانُ فأوصى بهِ، أي: قَرُبَ إلى الموتِ، فأوصى بهِ في ذلكَ الوقتِ أنَّ بعدَ الموتِ لا يتُصورُ الإيصاءُ أطعمَ عنه ولُيهُ لِكُلِّ يومٍ مسكينًا، نصفُ صاعٍ/ من بُرٍّ، وعندَ الشَّافِعِي -رحمه الله- مقدَّرٌ بالثمِن (٨)؛ لأنهُ عَجَزَ عن الأداءِ في آخرِ عُمرِهِ، فصارَ كالشيخِ الفاني، فإنْ قلتَ: جوازُ الفديةِ في حقِّ الشيخِ الفاني ثبتَ على خلافِ القياس، فكيفَ يلحقُ بهِ مَنْ عليهِ قضاءُ رمضانَ، وهو ليسَ بشيخٍ فانٍ ومِنْ شرائِطِ القياسِ أنْ يكونَ المنصوصُ عليهِ مُوفقًا للقياسِ لمِا عرفْتَ.


(١) يشير المؤلف إلى مسألة من حلف ليمسن السماء وهو لا يستطيع ذلك وقد تحدث عنها في باب اليمين.
(٢) سورة الأنبياء الآية (٣١).
(٣) سورة البقرة الآية (١٨٤).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٨٠، ١٨١).
(٥) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢٠٧).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٧٣).
(٧) يُنْظَر: المرجع السابق (٣/ ٣٨٣).
(٨) يُنْظَر: الْحَاوِي (٨/ ٥٢٢)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٨٧).