للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتجَّ أبو حنيفةَ -رحمه الله- بما رُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «هاتوا رُبْعَ عُشْر أموالِكم مِن كُلِّ أربعينَ درِهمًا درهمٌ» (١).

وقولهُ: «مِن كُلِّ أربعينَ درهمًا درهم»، خرجَ تفسيرُ القول: رُبْعُ عُشورِ أموالكم، كقولكَ: تصدّقْ بما في الكيس منِ الدراهم تكون الدراهمُ تفسيرًا حتى لم ينصرفْ الأمر إلى غيرها، وكذلك هاهنا يقتصر البيانْ على الأربعين من الدراهم] كأنّهْ قال (٢): هاتوا من كل أربعين درهمًا درهم، ثُمَّ لا يجبُ كذلك ابتداءً، فثبت أنَّ المراد به بعد المائتين، أَلَا تَرى أنّه لا يدخلُ تحته سوى الدراهمُ من الطعام،] وكذلك (٣) لا يدخلُ غيرَ الأربعينات من المقاديرِ فيعيَّنُ بهذا أنَّ المرادَ بقوله: فبحساب ذلك من الأربعينات، ولِأَنَّ أموال الزَّكَاةِ كلَّها مبنيةً على أن عفوها يعودُ بعد السقوطِ ويدورُ بعفوٍ ونصابِ نظراَ لصاحب المال عن هلاكِ الزيادة بتكرر واجبها؛ كما نظر في الابتداء لهذا المعنى بخلاف الْعُشْرِ، فإن أبا حنيفة -رحمه الله- لم يعتبر العفو في ابتدائه، فكذلك في بنائه، وهذا لأنه لا يتكررُ في مالٍ واحدِ، فلا يُؤدِّي إلى الاستئصال وفواتِ النظر، وقاس بالسوائم، ففيها وَقَصٌ (٤) بعد النِّصَاب الأول، فكذلك في النقود بعلَّةِ أنّ الزَّكَاةَ واجبةٌ في الكلِّ على وجهٍ يحصُلُ فيه النَظَرُ للفقراءِ، وأربابُ الأموالِ كذا في "المَبْسُوط" (٥)، و"الْأَسْرَارِ" (٦) (٧).


(١) رَوَاهُ أبو داود في "سننه"، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة (١٥٧٢). وابن ماجه في "سننه"، كتاب الزكاة، باب: زكاة الورق والذهب (١٧٩٠)، وأحمد في "مسنده" من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (٢/ ١١٨) حديث رقم (٧١١)، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (٤/ ٧٢): حديث صحيح.
(٢) سقطت في (ب).
(٣) سقطت في (ب).
(٤) الوَقَصُ ما بين الفريضتين لأَن ما بين الفريضتين لا شيء فيه نحو أَن تبلغ الإِبلُ خَمْساً ففيها شاة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عشراً فما بين الخَمْسِ إِلى العُشّر وَقَصٌ وكذلك الشَّنَقُ وبعض العلماء يجعل الوَقَصَ في البقر خاصة والشَّنَقَ في الإِبل خاصة قال وهما جميعاً ما بين الفريضتين. يُنْظَر: لسان العرب لابن منظور (٦/ ٤٨٩٣).
(٥) كتاب المَبْسُوط لشمس الدين أبو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقة يقول عن كتابه في المقدمة (فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب).
(٦) كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (٤٣٠ هـ).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٤٢).