للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: يجوز أخذ المال للولي بطريق الصلح بالاتفاق (١) وهذا الوهم باقي (٢) في صورة الصلح أيضاً.

قلت: لا كذلك؛ لأنهما لما تصالحا برضاهما على المال كان وهم قصد القتل مندفعًا؛ لأن للرضاء (٣) والتصالح تأثيراً في دفع الشر، قال الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (٤) لما ورد الخير انتفى [الشر] (٥) لا محالة؛ لتضادٍّ بينهما (٦).

فإن قلت: لو تمسك الخصم في هذا الحديث (٧) ورد على وفق ما ادعاه، ومعنى معقول (٨) أما الحديث [فهو] (٩) (قوله -عليه السلام-: «مَنْ قُتِلَ له قتيلٌ (١٠) فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن [أحبوا] (١١) أخذوا الدية» (١٢)

فهذا تنصيص على أن كل واحد منها (١٣) موجب القتل (١٤).

ولأن الشرع أوجب القصاص لمعنى الانتقام وتشفي الصدر (١٥) للولي، وهو ثابت بخلاف القياس؛ لأنه إتلاف والإتلاف لا يكون واجباً بمقابلة الإتلاف وهو ليس بمثل، ألا ترى أن الجماعة يقتلون بالواحد ولا مماثلة بين الواحد والعشرة (١٦) فعرفنا أنه مشروع لمعنى النظر [للولي] (١٧) وذلك في أن لا يسقط حقه في الواجب الأصلي بل كان متمكنا من القصاص وأخذ الدية إن شاء بغير رضاء (١٨) الجاني، كما لو قطع يد إنسان ويد القاطع شلَّاء (١٩) أو ناقصة [إصبع] (٢٠) فإن القصاص واجب ولصاحب الحق أن يأخذ الأرشَ بغير رضاء (٢١) الجاني لهذا المعنى؛ ولأنه لا خلاف في أن (٢٢) أحد الشريكين في الدم إذا عفا أن للآخر أن يستوفي المالَ ولو لم يكن المال واجباً له بنفس القتل لما وجب بالعفو؛ لأن العفو مسقط ولو وقت (٢٣) بالعفو لوجب عن العَافي وإن كان محتسباً (٢٤)، بالضمان (٢٥) الإعتاق يجب على المعتق إذا كان موسراً ولما وجب المال للآخر عرفنا أنه كان واجباً له بنفس القتل أو لما (٢٦) ظهر ذلك عند العفو في حق من لم يَعف وجب أن يظهر في حق العافي إذا عفا عن القصاص ولم يكن ذلك إلا بالتمكن من أخذ المال بدون رضاء (٢٧) القاتل كما يأخذه غير العافي بدون رضاه ما جوابنا عنه (٢٨).


(١) وفي (ب) (للإتفاق).
(٢) وفي (ب) (باق)، وهي الصواب.
(٣) وفي (ب) (للرضا)، وهي الصواب.
(٤) سورة النساء من الآية (١٢٨).
(٥) سقط في (ب).
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١١٩)، نتائج الأفكار (١٠/ ٢٢٦).
(٧) وفي (ب) (بحديث).
(٨) كذا في (ب)، وهي ليست واضحة في (أ).
(٩) سقط في (ب).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٦٧).
(١١) زيادة في (ب).
(١٢) رواه البخاري (٦/ ٢٥٢٢)، في (كتاب الديات)، في (باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين)، برقم (٦٤٨٦)، بلفظ (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودَى وإما أن يقاد). ورواه مسلم (٢/ ٩٨٨)، في (كتاب الحج)، في (باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام)، برقم (١٣٥٥)، بلفظ «ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدَى وإما أن يقتَلَ».
(١٣) وفي (ب) (منهما).
(١٤) وبه قال المالكية، والحنابلة. قال ابن عبد البر: أولياء المقتول مخيرون في القصاص أو أخذ الدية أي ذلك شاؤوا كان ذلك لهم، وبه أقول. الكافي (ص ٥٩٠).
وفي مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (٢/ ٢٨٣): قال أحمد: كل من قتل له قتيل، أو جرح بجراحة فهو بخير النظرين: إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية للنفس، وإن شاء أخذ الأرش للجراحة.
(١٥) وفي (ب) (الصدور).
(١٦) وفي (ب) (العشرة والواحد).
(١٧) سقط في (ب).
(١٨) وفي (ب) (رضا)، وهي الصواب.
(١٩) الشلل: فساد في اليد، يقال: شلت اليد تشل شللا، إذا فسدت عروقها، فبطلت حركتها، وهو: تعطل العضو عن العمل، وبطلان المنفعة المقصودة منه أبدا بآفة مع بقاء عينه، وفي الطب المعاصر يكون الشلل في الجسم وفي الأعضاء، يقال: شلل نصفي أي إذا تعطل نصف الجسم عن الحركة، وشلل رباعي، إذا تعطل الذراعان والساقان. وهو ما يسمي عند المتقدمين بالفالج. قال في معجم الصواب اللغوي (١/ ٤٧٥) ورد في المعاجم استعمال الفالج، للمرض الذي يحدث في أحد شقي البدن طولاً، فيبطل إحساسه وحركته، واستعمال الشلل بمعنى اليبوسة في اليد فقط، بينما لم تقصر المعاجم الحديثة استعمال الشلل على اليد فقط، بل جعلته في أيّ عضو من أعضاء الجسم، وهو من باب توسيع دلالة اللفظ. وينظر: الصحاح؛ للجوهري (٥/ ١٥)، مقاييس اللغة (٣/ ١٧٤)، تحرير ألفاظ التنبيه (٢٦٨)، تاج العروس (٢٩/ ٢٨٢)، معجم لغة الفقهاء (١/ ٣١٨).
(٢٠) سقط في (ب).
(٢١) وفي (ب) (رضا)، وهي الصواب.
(٢٢) كذا في (ب) وهي مثبتة في هامش (أ).
(٢٣) وفي (ب) (وجب)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٢٤) وفي (ب) (محسنا).
(٢٥) وفي (ب) (كضمان)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٢٦) وفي (ب) (ولما)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٢٧) وفي (ب) (رضا)، وهي الصواب.
(٢٨) العناية شرح الهداية (١٥/ ١٢٠)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٦٧).