للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهذا لأنَّ العصمة (١) تثبت على مُنافاة الدليل) أي: هذا المدعَّى.

وهو [أن] (٢) استيلاءَهم ورد على مال مباح، إنما هو كذلك لأنَّ العصمة في المال لِكلِّ مَن يثبت مِن المسلم والكافر، إنَّما يثبت على خلاف الدليل؛ فإنَّ الدليل يقتضي أنْ لا يكون المال معصومًا لأحَدٍ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] إلا أنَّ العصمة إنَّما تثبت لمن اختصَّ هو به لسَبَبٍ مِن الأسباب، من شِرىً أو إرث أو غيرهما، ليتمكن من الانتفاع به؛ إذ لو لم يكن مخصوصًا هو به بالعصمة نازعه آخر في الانتفاع به، فأثبت الشارع العصمة للمالك قطعًا للمنازعة وتمكينًا للمالك من الانتفاع؛ فلما زال تمكُّنه من الانتفاع بِسبب إحرازهم بدار الحرب لم يبقَ ما يوجب عصمتَه، وهو تمكين المالك من الانتفاع، عاد المال مباحًا، كما يقتضيه الدليل، فصار بمنزلة الصَّيد والحشيش. ثم لما وقع استيلاؤهم إياه في هذه الحالة، كان استيلاءً مباحًا، فأوجَب الملك لهم، وعن هذا وقع الفَرق بين أموالنا ورقابنا، فإن الرِّقاب كلها لم تخلق محلًا للتملُّك في الأصل؛ وإنما تثبت المحلية بعارض الكفر، وليس في رقابنا ذلك، فلذلك لا يملكون إحرازنا، وإن أحرزوها بدارهم، فكانت صِفة الأموال مَع الرقاب على طرفي نقيض.

(لأنَّه) أي: لأن الإحراز بالدار، (عبارة عن الاقتدار على المحلِّ حالًا ومآلًا). يعني: أنَّ الكفار إذا استوَلوا أموال المسلمين فهم (٣)، ما داموا في دار الإسلام، لم يكن لهم الاستيلاء من كل وجه حيث لم يوجد استيلاؤهم مآلًا، لما أنَّ الظاهر أنَّ المسلمين يغلبون عليهم ويأخذون الأموال. وأما إذا أحرزوها بدار الحرب فلا يغلب المسلمون على الكافرين لانقطاع الولاية فلا يُؤخَذ منهم الأموال فيقتدرون حينئذٍ على الأموال حالًا ومآلًا.

(والمحظور لغيره إذا صلُح سببًا) … إلى آخره. جواب عن قول الخصم أنَّه محظور قلنا: نعم، هو محظور إلا أنَّه محظور لغيره، و (٤) مباح في نفسه، لكونه سببًا لإقامة المصالح على ما ذكرنا، والمحظور لغيره لا يَمنع السبب عن كونه سببًا للملك، كالبيع وقت النداء، دل (٥) عليه أن المحظور لغيره، وهو الصلاة في الأرض المغصوبة، تصلح سببًا لاستحقاق أعلى النِّعم، وهو الثواب في الآخرة، فلأنْ يصلح سببًا للملك في الدُّنيا أولى (٦)؛ كذا في الطريقة العلانية (٧).


(١) العصمة: الحفظ ودفع الشر. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٧/ ٤٥٨٠).
(٢) ساقط من (أ)، ولعل الصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.
(٣) في (ب) "وهم".
(٤) في (ب) "وهو".
(٥) في (ب) "ودل".
(٦) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٦١)، العناية شرح الهداية (٦/ ٦)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٩٠).
(٧) الطريقة العلانية: لمجد الأئمة، السرخكي. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١١١٣).