للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ قلتَ: لو ثبت الملك في مال المسلم للكافر بالاستيلاء عند الإحراز بدار الحرب، لما ثَبتتْ ولاية الاسترداد للمالِك القديم من الغازي الذي وقع في قسمتها، ومن المشتري الذي اشتراه من أهل الحرب، بدون رضا الغازي والمشتري بالقيمة أو الثَّمن، كما لا يثبت للمالك القديم ولايةَ الاسترداد فيما إذا اشتراه المستأمن مِن أهل الحرب، وأدخَله في دار الحرب، ثم وقع في قسمة الغازي أو اشتراه المسلم.

قلت:/ إنَّ بقاء حقِّ الاسترداد بحقِّ (١) المالِك القديمِ لا يدُلُّ على قيام الملك للمالِك القديم. أَلا ترى أنَّ الواهب يَرجع في الهبة ويعيدها إلى قَديم ملْكِه بدون رضا الموهوب له مَع زوال مُلْك الواهب للحال (٢)؛ كذا في الأسرار.

وكذا الشفيع يأخُذ الدَّار من المشتري بحقِّ الشُّفعة بدون رضا المشتري مع ثبوت الملك له.

وذكر في الإيضاح: ثم الملك، وإنْ زال عندنا، فللمالك القديم حقُّ إعادةِ الملك؛ لأنَّ الملك زال بدون رِضاه، فأوجب الشَّرع له حقَّ الإعادة نظرًا له، لكن مِن شرط النَّظَر له أنْ لا يؤدي إلى إلحاق الضَّرر بالغير، فيقول: إن وجده قبل القسمة أخذه بغير شيء، وإن وجده بَعد القسمة أخذه بالقِيمة (٣) على ما يجيء.

(فَإن ظَهر عليها المسلمون) أي: على الأموال التي أخذها الكافرون منَّا، (فوجدها المَالكون قبل القسمة فهي لهم بِغير شيء) أي: وإنْ أحْرزها الغانمون بدار الإسلام.

وذكر في الإيضاح: فأمَّا إذا وَجَد قبل القسمة، فكان ينبغي أنْ يَأخُذ بالقيمة أيضًا (٤) لأنَّ حقَّ الجماعة متعلِّق به، وقَد استحكم هذا بالإحراز بدار الإسلام. ألا ترى أنَّه لو أَتلف إنسان شيئًا من الغنيمة قبل القِسمة يضمن إلَّا أنَّا تركنا هذا الأصل بحديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فإنَّه روى عنه أنَّ المشركين غلبوا على بَعير لرجلٍ ثم ظهر المسلمون عليه، فسأل النَّبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك فقال: "إن وجدته قبل القسمة" (٥) الحديث؛ إلَّا أنَّ في الأخذ بعد القِسمة ضَرَرًا بالمأخوذ منه؛ لأنَّه (٦) إذا كان بعد القسمة فَقَد تعلَّق به حقُّ مالك معيَّن، وإنَّما تعيَّن له هذا الحقُّ بإزاء ما انقطع مِن حقِّه عمَّا في أيدي الباقين، فإذا قطع حقّه عن هذا المعيَّن مجَّانًا أدَّى إلى الإضرار به؛ وقَد ذكرنا أنَّ النظر واجِب على وجه لا يضُرُّ بالغير، ولو اشتراه بعَرض أخذه بقيمة العَرض. أمَّا لو اشترى مسلمٌ من أهل الحرب عبدًا لمسلم بخَمر أو خِنزير أخذه صاحبه بقيمة العبد لأنَّه يأخذ بطِيبة نفسٍ منه لا بالبيع فصار كالهبة (٧)؛ كذا في الإيضاح، لأنَّه ثبت له ملك خاص، فلا يزال إلا بالقيمة.


(١) في (ب) "لحق".
(٢) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٦)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٨٨).
(٣) ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٥/ ١٤٦).
(٤) ينظر تحفة الفقهاء (٣/ ٣٠٤).
(٥) قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن وجدتَه قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإنْ وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة"، قلت: أخرج الدارقطني، ثم البيهقي في "سننيهما" عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فيما أحرز العدو فاستنقذه المسلمون منهم، إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن وجده قد قسم، فإن شاء أخذه بالثمن، انتهى. قال: والحسن بن عمارة متروك، انتهى. نصب الراية (٣/ ٤٣٤).
قال ابن حجر: وفيه الحسن بن عمارة وهو واه. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ١٢٩).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) ينظر الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٢٦٥)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٦٥٣).