للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمرادُ: الزَّكَاةُ دونَ الإعارةِ؛ لأّنُه ألّحَقَ الوعيُد بهما، وذلك لا يكونَ إِلاَّ بتركِ الواجبِ والإعارةُ ليستْ بواجبةٍ، وفي حديثِ أمِّ سلمةَ (١) -رضي الله عنها- أنها كانتْ تلبِسُ أوضاحًا (٢) لها من ذهبٍ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ أكنزٌ هِي؟ فقال: «إن أديْتِ منها الزَّكَاةَ فلا» (٣)، (٤) والمعنى فيها: أنّ الزَّكَاةَ فيها حُكْمٌ تعلّقَ بعينِ الذَّهَبِ والْفِضَّة فلا تسقطُ بالصنعةِ كحُكمِ التقابض في المجلس عنَد بيعِ أحدهم بالآخرِ وجريانِ الرِّبا.

أو لماّ كان الحكمُ متُعلقٌ بعينِ الذهبِ/ والْفِضَّة لم] يعرف (٥) الحال بين أنْ يكونَ محظورًا أو مباحًا كما في السوائم، إذا جعلها حمولةَ خمرِ حيث لا تجبُ الزَّكَاةُ باعتبار الحظر، لمِا أنّ عدَم التعلّق بكونها حمولةً، فلذلك لم يُفَرّقْ بينهما، وفي هذا جوابٌ عما تعلّقَ بالفرقِ بذهابِ العقلِ بسببٍ هو محظورٌ أو مباحٌ، ولِأَنَّ المقصود به الابتذال بهما هو التجمل الزائد لا يتعلق به حياة النفسِ أو المالِ، فلا تنعدمُ به صفة الثمنية] الكائنة (٦) لهذين الجوهرين باعتبارِ الأصلِ بخلافِ ذَهاب العقلِ بسبب الدواءِ؛ لأنهُ تتعلق به حياةُ النفس بخلاف الثياب؛ لأن الابتذال ثمةَ أمرٍ أصليِ؛ لأنَ فيه صرفاً لها إلى الحاجة الأصلية المتعلقة بها، وهي دفع الحرِّ والبردِ، فجاز أن يبطُلَ الأمرُ الأصليُّ فيها ما هو دونهُ، وهو يعني التجارة فيها، فإن قلتَ: ففي قوله في الْكِتَابِ وهو الإعدادُ للتجارة خلقةً، إشارةٌ إلى أنّ المعنى المؤثَر فيهما هو الثمنيةُ خِلقةً في وجوبِ الزَّكَاةِ عندنا (٧).


(١) أم سلمة هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية ويقال أسمة حذيفة ويعرف بزاد الراكب ابن المغيرة القرشية المخزومية من زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها سنة ٤ هـ يُنْظَر: أسد الغابة (١/ ١٤٤٢ - ١٤٤٣)، الأَعْلَام للزركلي (٨/ ٩٧).
(٢) الوَضَحُ حَلْيٌ من فضة والجمع أَوضاح سميت بذلك لبياضها واحدها وَضَح. يُنْظَر لسان العرب لابن منظور (٦/ ٤٨٥٦).
(٣) رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي (١٥٦٦)، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (٤/ ٦٤): المرفوع منه حسن.
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٤٥).
(٥) في (أ) (يفترق) وفي (ب): (يعرف) ولعل ما أثبته هو الصحيح.
(٦) في (ب): (الثابتة).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢١٦).