للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنَّما يعتبر أمره لإثبات صفة الحل به أو لدفع الغرور عن الحافر وقد انعدما جميعًا في هذا الموضع فسقط اعتبار أمره فكان الضَّمان على الذين باشروا الحفر، وإن كان في فنائه فهو على الآمر دون الأجراء إن علموا أو لم يعلموا؛ لأنَّ أمره في فنائه معتبر فإن عند أبي يوسف ومحمَّد -رحمهما الله-: له أن يحفرو في فنائه إذا كان لا يضر بالمال (١)، وليس لأحد أن يمنعه من ذلك وعند أبي حنيفة -رحمه الله-: يحل له ذلك فيما بينه وبين ربِّه ما لم يمنعه مانع، وهذا لأنَّ الفناء اسم لموضع اختص صاحب الملك بالانتفاع به من حيث كسر الحطب وإيقاف الدَّابة وإلقاء الكناسة فيه فكان أمره معتبراً في الحل، ولا ينقل فعل الأجراء إليه بهذا الأمر فيصير كأنَّه فعل ذلك بنفسه (٢).

ولأجل دلالة هاتين الروايتين على ما قلنا ردد في الكتاب بعد هذا بقوله: (وَقِيلَ: هَذَا إِذَا كَانَ الفِنَاءُ مَمْلُوكاً (٣) أَو كَانَ لَهُ حَقُّ الحَفْرِ فِيهِ (٤).

وذكر الإمام التمرتاشي: أفنية الأبواب التي في الطَّريق الشَّارع ليست بمملوكة لأصحاب الدُّور، ولو أرادوا أن يحدثوا شيئاً في أفنيتهم، فهذا وما لو أحدثوا في غير الأفنية سواء.

وفي «المنتقى» عن أبي حنيفة -رحمه الله-: بيع الدَّار بفنائها فاسد.

قال محمَّد: وأظنه أنَّ في قول أبي يوسف جائزًا (٥).

(البَالُوعَةِ (٦): ثقب في وسط الدَّار، وكذلك البلوعة. ذكرها في «الصِّحاح» (٧).

(الإِفْتِيَات (٨): الاستبداد بالرأي افتعال من الفَوت السبق، وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر (٩) «أمثلي يُفتات عليه في بناته» (١٠)، مبنياً للمفعول، أي: لا يصلح أمرهن بغير إذني كذا في «المُغرب» (١١).


(١) كذا في (أ) والصواب (المارَّة) كما في المبسوط، وسياق الكلام يقتضيها.
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ١٥، ١٦).
(٣) كذا في (أ)، وفي الهداية (مملوكا له)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٣).
(٥) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٦/ ٤٤١)، الفتاوى الهندية (٣/ ٢٩).
(٦) بداية المبتدي (٢٤٨).
(٧) الصحاح؛ للجوهري (٣/ ٣٢٣).
(٨) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٣).
(٩) هو الصحابي الجليل: أبو عبدالله عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق-رضي الله عنهما- شهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم وهاجر قبل الفتح وحسن إسلامه، وهو أكبر أولاد الصديق، وكان من الرماة المذكورين والشجعان وقد قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم، وشهد الجمل مع عائشة -رضي الله عنهما- (ت ٥٣ هـ). يُنْظَر: وفيات الأعيان (٣/ ٦٩)، مختصر تاريخ دمشق (١٤/ ٢٨١)، سير أعلام النبلاء (٢/ ٤٧١).
(١٠) رواه مالك (٢/ ٥٥٥)، في (كتاب الطلاق)، في (باب مالا يبين من التمليك)، برقم (١١٦٠)، بلفظ «وَمثْلِي يصْنَعُ هذا بهِ وَمثْلِي يفْتَاتُ عليه». ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٤٥٧)، في (كتاب النكاح)، في (باب من أجازه بغير ولي ولم يفرق)، برقم (١٥٩٥٥)، واللفظ له. ورواه البيهقي (٧/ ١١٢)، في (كتاب النكاح)، في (باب لا نكاح إلا بولي)، برقم (١٣٤٣١)، بلفظ «مثلي يصنع هذا به ويفتات عليه».
(١١) (٢/ ١٥١).