للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإنْ قال) أي: الملتقِط (لا بينة لي) على أنَّها لُقطة عندي، ولكن هي لُقَطة (يقول القاضي) للملتقِط (أنفِق عليه إنْ كنت صادقًا). إنَّما يقول بهذا الترديد احترازًا عن ما يحتمِل أحد الضّررين، إذ لو أمر بتضرٌّر المالك بسقوط الضَّمان على تقدير الغَصب، ولو لم يأمُر بتضرَّر الملتقِط على تقدير أنّها لقطة، وقد أنفق عليها.

وقال في الذَّخيرة: فلو أنَّ هذا الرَّجل حين جاء بالدَّابة إلى القاضي، قال للقاضي: وجدتُ هذه الدَّابّة، ولا أدري لمن هي إلّا أنّه لا بيِّنة لي على ذلك؛ فالقاضي لا يأمره بالإنفاق ولا بالبيع مرسلًا لجواز أنَّ الدَّابة غَصب عنده، وقد احتال بهذه الحيلة لتصير النّفقة دَينًا على المالك، وليُبَرِئَ نفسه عَن الضّمان بالبيع، فإنّ الغاصب إذا باع المغصوب بأمر القاضي يَبرأ عَن الضَّمان، كما لو باع بأمر المالك، ويجوز أن يكون الأمر كما قال هو. وعلى هذا التّقدير، لو لم يأمره القاضي بالإنفاق أو البيع، وهو لا يُنفق بغير أمر القاضي فخاف ضَياع مالِه، ولا يبيع بغير أمر القاضي مخافةَ لزوم الضَّمان، وإذا كان كذلك، فيأمره القاضي بالبيع أَو بالإنفاق مقيَّدًا، وصورة ذلك أنْ يقول القاضي بين يدي الثقات: أَمرتُه بالإنفاق عليها، أو بالبيع إنْ كان الأمر كما قال، وإن كان الأمر على خلاف ذلك فلا آمره بشيء (١). وهذا احتياط من الجانبَين لأنَّه إذا (٢) كان الأمر كما قال لا يضيع مال المالك، وإنْ كان الأمر بخلافه لا يَبرأ عن الضَّمان. وهذا كرجُل اشترى عبدًا، وغاب غَيبة قبل نقد الثَّمن، ولا يُدرى أين هو، فجاء البائع بالعبد إلى القَاضي وأخبره بالقصَّة، فإنَّ القاضي يأمره (٣) بالبيع مقيَّدًا [فيقول] (٤): إنْ كان الأمر كما قلتَ أمرتُك بالبيع، وإنْ كان بخلافه فلا آمرك بشيء.

قوله: (إذا شرط) متَّصِل بقوله: (إنَّما يرجع) أي: إنَّما يرجع الملتِقط على المالك إذا شرط القاضي الرُّجوع على المالك، "وهذه هي الرواية الَّتي ذكرناها في مسائل اللَّقيط بقوله: والأصحُّ أنْ يأمُر القاضي الملتَقِط بالإنفاق على أنْ تكون (٥) دَينًا على اللَّقيط، فحينئذ يرجع على اللقيط وإلا فلا، وهذا احتراز عن قول بعض أصحابنا فإنّهم يقولون: إنّ مجرَّد أمر القاضي بالإنفاق عليه يكفي للرجوع" (٦).


(١) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٣٠٥).
(٢) في (ب) "إن".
(٣) في (ب) "يأمر".
(٤) في (أ) "فنقول".
(٥) في (ب) "يكون".
(٦) العناية شرح الهداية (٦/ ١٢٧).