للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِلُّ أَكْلِ السُّحورِ، كما كانَ في ابتداءِ مِلَتِنَا فقالَ شَيْخِي -رحمه الله- وأثابهُ الجنةَ: المرادُ بهِ الأَكْلَةُ الثَانيةُ، فإنها كانتْ تجري مجَرى السُّحورِ في حقِّهِمْ لقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «دَعْ ما يُريْبكَ إلى ما لا يُريْبكُ» (١)، تمامهُ فإنَّ الكَذِبَ رَيبُةُ، وأنّ الصِدْقَ طُمأنينُةُ. مِنْ رابَهُ رَيْبًا شكَكَهُ، والمريبةُ: الشكُّ، والتهمةُ، أيْ: ما مِشْكُكَ، وتحصلُ فيكَ الريبةُ، وهي في الأِصلِ قلقُ النفسِ، واضطرابهُا، ألا ترى كيف قاَبَلها بالطُمأْنيِنَةِ، وهي السكونَ، وذلكَ أنَّ النَّفسِ لا تستِقُر متى شَكَتْ، وإذا تيقنتهُ سكنتْ، واطمأنتْ، كذا في «المُغْرِب» (٢)، وعلى ظاهر الرِوَايةِ لا قضاءَ عليهِ، وهو الصحيحُ؛ لأنَّ الليلَ هو الأصلُ فلا ينتقلَ عنه إِلاَّ بيقين، كذا في «الإيضاح» (٣)، (وإنْ كانَ أكبرَ رَأْيهٍ أنهُ أَكلَ قَبْلَ الغُروبِ فعليهِ القضاءُ روِايةٌ واحدةُ) (٤)، أيْ: فعليهِ القضاءُ والكفارةُ؛ لأنَّ النهارَ كان ثابِتًا، وقد انضمَ إليهِ أكثرُ رَأْيِهِ، فصار بمنزلةِ اليقين (٥)، كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. (ولو كانَ شاكَّاً فيهِ، وتبين أنها لم تغُربْ ينبغي أنْ تجبُ الكفارةُ) (٦) نظرًا إلى ما هو الأَصْلَ، وهو النهار، فإنْ قلْتَ: يَشْكُلُ على هذا ما إذا شَهِدَا اثنانِ أن الشمْس قد غَابَتْ، وشهدَ آخرانِ أنها لم تغب فأفطر، ثُمَّ ظهر أنها لم تَغْبُ، عليهِ القضاءُ دُونَ الكفارةِ بالاتفاقِ (٧) مع أنَّ تعارُضَ الشهادتين يُورثُ الشكَّ لا محَالةَ، فلمْ تجبْ الكفارةُ هناك بالاتفاقِ مع أنَّ الشكَّ فيهِ موجودٌ فكيفَ وجبتْ هاهنا بالشكِّ (٨).


(١) رَوَاهُ الترمذي في سننه (٢٥١٨)، كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، والنسائي في سننه (٥٧١١)، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات. من حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، قال الألباني: صحيح.
(٢) يُنْظَر: (١/ ٣٥٦).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٣ - ٣٧٥).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٨).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٥).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٨).
(٧) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٦٣)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٠).
(٨) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٥).