للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط (١) في تعليلهما: «أن شاهد الزُّور يُضرب أربعين صوتاً، ويسخِّم وجهه، ويطاف به، إلَّا أنَّ الدليل قد قام على انتساخ حكم التسخيم للوجه؛ فإن ذلك مُثلَةٌ،: «ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢) عن المثلة ولو بالكلب العقور» (٣).

فبقي حكم التعزير والتَّشهير بأنْ يطاف به، ثُمَّ التشهير لإعلام النَّاس؛ حتى لا يعتمدوا شهادته بعد ذلك، والتعزير لارتكابه كبيرة.

فشهادة الزُّور من أعظم الكبائر، فإنَّها عُدِّلَت بالشِّرك بالله تعالى، قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (٤) /، فيه إشارة إلى عِظم حرمة المسلم، حيث جعل الله [تعالى] (٥) الشَّهادة عليه بالزُّور كالشَّهادة على نفسه بالزُّور، وإذا ثبت أنَّه مرتكب للكبيرة قلنا: يعزر على ذلك» (٦).

وله أنَّ شريحاً/ كان يُشَهِّر ولا يضرب (٧).

فإن قيل: أليس أنَّ أبا حنيفة - رحمه الله - لا يرى تقليد التابعين، حتى روي عنه أنَّه قال: لا تقلدهم هم رجال اجتهدوا ونحن رجال [نجتهد] (٨).

وقال مشايخنا المتأخرون: إنَّما ذكر أبو حنيفة/ أقاويل التَّابعين في كتبه لبيان أنَّه لم يستبد بهذا القول؛ بل سبقه غيره، وقاله متبعاً لا مخترعاً (٩).

قلنا: ذكر في النوادر عن أبي حنيفة: من كان من أئمة التابعين، وأفتى في زمن الصحابة -رضي الله عنهم-، وزاحمهم في الفتوى، وسوغوا له الاجتهاد؛ فأنا أقلده، مثل شريح، والحسن (١٠)، ومسروق (١١)، وعلقمة (١٢) -رحمهم الله-.


(١) المبسوط (١٦/ ١٤٥).
(٢) في «س»: [عليه السلام].
(٣) أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير (١/ ٩٧)، رقم (١٦٨)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٤٩): «رواه الطبراني وإسناده منقطع».
(٤) سورة الحج: آية ٣٠.
(٥) زيادة من: «س».
(٦) المبسوط (١٦/ ٢٤٥).
(٧) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٤٥).
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٥٥٠)، رقم (٢٣٠٤٤)، وعزاه الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٨٨) لمحمد بن الحسن في كتاب الآثار.
(٨) في «ج»: [نجتهدوا].
(٩) ينظر: حاشية ابن عابدين (٧/ ٢٣٨).
(١٠) الحسن البصري: هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، أبوه يسار كان مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تابعي وإمام أهل البصرة وحَبر الأمة في زمنه، وحيثما أُطلق اسم الحسن بلا قيد عُرف أن المراد منه في كتب الشرع والعلم الحسن البصري، كان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم لا يخاف في الحق لومة لائم، توفي/ بالبصرة سنة ١١٠ هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان (٢/ ٦٩)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٥٦٣)، الوافي بالوفيات (١٢/ ١٩٠)، الأعلام (٢/ ٢٢٦).
(١١) هو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني، ثم الوادعي، أبو عائشة، من أهل اليمن، الإمام، العلم، اتفقوا على جلالته، وتوثيقه، وفضيلته، وإمامته، قدم المدينة في أيام أبي بكر -رضي الله عنه-، وسكن الكوفة، روى عن: أبي بكر، وعمر، وعائشة، ومعاذ، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، روي عنه: الشعبي، والنخعي، وأبو الضحي وغيرهم، قال الشعبي: ما رأيت أطلب للعلم منه، وكان أعلم بالفتوي من شريح، وشريح أبصر منه بالقضاء، توفي سنة ٦٣ هـ، وقيل: ٦٢ هـ. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٨٨)، تهذيب الكمال (٢٧/ ٤٥٢)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٦٣).
(١٢) هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي، أبو شبل، من أهل الكوفة، تابعي، ورد المدائن في صحبة علي، وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان، كما شهد معه صفين، روى عن: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وتفقه به، وهو أحد أصحابه الستة، كان علقمة فقيهاً، إماماً، بارعاً، طيب الصوت بالقرآن، ثبتاً فيما ينقل، صاحب خير وورع، بلغ من علمه أن أناساً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألونه ويستفتونه، توفي رحمه الله سنة ٦١ هـ.
ينظر: تاريخ بغداد (١٤/ ٢٤٠)، تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٣٤٢)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٥٣).