للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي (١) - رحمه الله-: إذا أفلس المشتري بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع إن كان سلمه، ويفسخ العقد (٢) ويعيده إلى ملكه (٣) ويده، قوله (٤) (وصار كالسَّلَم (٥) يعني: أن كونه دينًا غير مانع لفسخ البيع إذا عجز عن قضائه بعد الوجوب عليه كما إذا عجز عن تسليم المبيع بإباق العبد، ألا ترى أن في عقد السَّلم المُسلم فيه دين ثم لما تعذَّر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس ثبت لرب السلم حق الفسخ، فكذلك في الثمن، ولا فرق بينهما سِوى أن الثمن معقود به والمُسلم فيه معقود عليه، ولكنَّ حق الفسخ يثبت بتعذر قبض المعقود به، كما يثبت بتعذر قبض المعقود عليه؛ ألا ترى أن المُكاتَب (٦) إذا عَجَز عن أداء بدل الكتابة يتمكَّن الموْلَى (٧) من فسخ العقد، وبدل الكتابة معقود به كالثمن؛ وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (٢٨٠)} (٨) والمشتري حين أفلس بالثمن فقد استحق النَّظرة (٩) شرعًا، ولو أجَّله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مُضي الأجل، فإذا صار مُنْظرًا بإنظار الله- تعالى- أولى ألا يُمكَّن البائع من فسخ العقد، كذا في «المبسوط» (١٠).


(١) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٠٤)، روضة الطالبين (٣/ ٥٢٥)، تحفة المحتاج (٥/ ١٤٤)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٣٦).
(٢) العَقْد: نَقِيضُ الحَلِّ. لسان العرب (٣/ ٢٩٦) واصطلاحًا: اتفاق بين طرفين يلتزم فيه كل منهما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولا بد فيه من إيجاب وقبول. معجم لغة الفقهاء (ص: ٣١٧).
(٣) في (ع) (مالكه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٧).
(٤) سقطت في (أ).
(٥) السَّلَم بالتَّحْرِيك لُغَةً: السَّلَف. انظر: تاج العروس مادة (س ل م) (٣٢/ ٣٧٢)، الصحاح مادة (س ل م) (٥/ ١٩٥٠). واصطلاحًا: اسْمٌ لِعَقْدٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الثَّمَنِ عَاجِلًا وَفِي الْمُثَمَّنِ آجِلًا. انظر: الاختيار (٢/ ٣٣)، أنيس الفقهاء (ص: ٧٩).
قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور: لا بأس بشراء الموصوف المضمون على بائعه، وقال سعيد بن المسيب: لا يجوز السلم في شيء من الأشياء، قال أبو جعفر: وهذا محتمل أن يكون نهيًا عن بيع ما ليس عنده من الأعيان التي ليست مضمونة عليه، وليس يستحيل أن ينهى عن بيع ما ليس عنده مما لم يكن مضمونًا عليه ويجيز ما كان مضمونًا عليه بصفة. انظر: اختلاف الفقهاء لابن جرير (ص: ٩٥)، الإقناع لابن المنذر (١/ ٢٦٤)
(٦) المُكاتَب: العبد الذي يكاتَب على نفسه بثمنه، فإن سعى وأدَّاه عُتق. أنيس الفقهاء (ص: ٦١).
(٧) المَوْلَى: السَّيِّدُ. تاج العروس (٤٠/ ٢٥٣).
(٨) سورة البقرة من آية (٢٨٠).
(٩) النَّظِرَةُ: التَّأْخِيرُ. مختار الصحاح مادة (ن ظ ر) (ص: ٣١٣)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٤٨٢).
(١٠) انظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٨).