للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: ما جوابنا عما تمسَّك به الشافعي (١) من الدليل السمعي والعقلي؟.

أما السمعي: فحديث أبي هريرة (٢) -رضي الله عنه- أن النبي -عليه السلام- قال: «أيما رجل أفلس بالثمن فوجد رجل» وفي رواية: «فوجد البائع متاعه عنده فهو أحق به» (٣).

وأما العقلي (٤): فهو (أن البيع عقد معاوضة (٥) فمطلقه يقتضي التسوية بين المتعاقدين، ثم إن تعذَّر على المشتري قبض المبيع بالإباق (٦) ثبت للمشتري حق الفسخ، فكذلك إذا تعذَّر على البائع قبض الثمن لإفلاس المشتري، وكما أن المالية في الآبق (٧) كَالثَّاوِية (٨) (٩) حكمًا فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثَّاوي حكمًا؛ لاستبداد طريق الوصول إليه، ولا فرق بينهما سِوى أن الثمن معقود به، والعجز عنه غير مانع للفسخ، كما في المكاتَب على ما ذكرنا أن بدل الكتابة معقود به، والعجز عنه مُجوِّز للفسخ فكذا هنا، والدليل عليه: أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع، فإن من اشترى (١٠) بفلوس (١١) شيئًا فكَسَدت قبل القبض بطل العقد) (١٢)، فلمَّا كان هلاك الثمن كهلاك المبيع وجب أن يكون العجز عن تسليم الثمن كالعجز عن تسليم المبيع؛ لالتقائهما في معنى العجز عن تسليم ما وجب عليه.


(١) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٠٣)، الحاوي الكبير (٦/ ٢٦٨)، تحفة المحتاج (٥/ ١٤٤)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٣٦).
(٢) هو الإمام الحافظ، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات، اختلف في اسمه على أقوال جمة; أرجحها، عبدالرحمن بن صخر، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له، وقدم المدينة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فأسلم سنة ٧ هـ، روى عنه (٥٣٧٤) حديثًا، ولي إمارة المدينة مدة وتوفي بها عام ٥٧ هـ. انظر: الاستيعاب (٤/ ١٧٦٨)، أسد الغابة ط العلمية (٦/ ٣١٣)، سير أعلام النبلاء (٢/ ٥٧٨)، تذكرة الحفاظ (١/ ٢٨).
(٣) أصله بالصحيحين بلفظ: «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره»، أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة، فهو أحق به (٣/ ١١٨) برقم (٢٤٠٢)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه (٣/ ١١٩٣) برقم (١٥٥٩).
(٤) انظر: الحاوي الكبير (٦/ ٢٦٩)، منهاج الطالبين (ص: ١٢٢).
(٥) عقد المعاوضة: عقد يُعطى كل طرف فيه نفس المقدار من المنفعة التي يعطيها الطرف الآخر. معجم لغة الفقهاء (ص: ٤٣٨).
(٦) في (أ) بياض بمقدار كلمة.
(٧) الْإِبَاقُ لغَةً: الْهَرَبُ. الصحاح (ء ب ق) (٤/ ١٤٤٥)، واصطلاحًا: الْمَمْلُوك الَّذِي فر من صَاحبه قصدًا. تحفة الفقهاء (٣/ ٣٥١)، أنيس الفقهاء (ص: ٦٨).
(٨) في (أ) مطموسة؛ وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٧).
(٩) ثَوى بالمكان: أَقَامَ به، فَهُوَ ثَاوٍ. الصحاح مادة (ث و ي) (٦/ ٢٢٩٦)، المصباح المنير مادة (ث و ي) (١/ ٨٨).
(١٠) في (ع) (شيئا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (٧/ ٢٠٦).
(١١) الفُلُوسٌ: قَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ صَارَ مُفْلِسًا كَأَنَّمَا صَارَتْ دَرَاهِمُهُ (فُلُوسًا) وَزُيُوفًا. الصحاح مادة (ف ل س) (٣/ ٩٥٩).
(١٢) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٨).