للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: أما الوجه الأوّل الذي فيه دعوى التكرار؛ قلنا ليس كذلك، فإنّ المراد من قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} (١) الحرائر المسلمات؛ لأنّه ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مُشْرِكة أو كِتَابِيَّة؛ كذا عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، والظّاهر أنّه عني بنسائهن مَنْ في صحبتهنّ من الحرائر، والنساء كلهنّ سواء في حِلِّ {نَظَر} (٢) بعضهنّ إلى بعض، فالْمُراد من {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (٣) الإماء؛ كما قاله سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والموضع موضع [الإشكال] (٤) وهو الجواب عن الوجه الثاني؛ لأنّ حال الأَمَةِ يقرُبُ من حال الرجال، حتّى تسافر بغير مَحْرَمٍ، فكان يشكل أنّه هل يباح لها التكشف بين يدي أَمَتِها؟ ولم يزل هذا الإشكال بقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}؛ لأنّ مطلق هذا اللّفظ يتناول الحرائر دون الإماء، وحديث أُمِّ سَلَمة محمولٌ على الاحتجاب [لمعنى] (٥) زوال الحاجة.

فإن قيل: ذلك [يحتاج] (٦) إلى المعاملة معه بالأخذ والإعطاء فتُبْدي وجهها وكفها وقد زال ذلك بالأداء فاحتجبت منه، وأمّا حُرْمَةُ الْمُناكَحَةِ التي بينهما على عرضية الزّوال، فكانت في حقه بمنزلة منكوحة الغير أو مُعْتَدَّتِه؛ ولأن وجوب السِّتْرِ عليها لمعنى خوف الفتنة، وذلك موجود ههنا، وإنّما ينعدم ذلك [بالمَحْرَمِيَّة] (٧)؛ لأن الحرمة المؤبدة تقلل الشهوة، وأمّا الملك فلا يقلل الشهوة بل [يحملها] (٨) على رفع الحشمة فكان أدعى إلى خوف الفتنة ووجوب السِّتْر، هذا كله مما أشار إليه في "المبسوط" و"الكشَّاف" (٩).

وقوله: (قال سَعِيْد (١٠) (١١) أطلق اسم السَّعِيد ولم يقيِّده بالنِّسْبة ليَصِحّ تناوُلُه للسَّعِيْدَين (١٢)، على ما ذكرنا من رواية "المبسوط" (١٣).


(١) سورة النور الآية (٣١).
(٢) سقطت من (ب).
(٣) سورة النور الآية (٣١).
(٤) في (ب): (إشكال).
(٥) في (ب): (بمعنى).
(٦) في (ب): (تحتاج).
(٧) في (أ): (بالحرمة).
(٨) في (أ): (يحملهما).
(٩) يُنظر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٥٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٢٩ - ٢٣٣)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٣٤).
(١٠) قال: (لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور)، قال الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٢٥١): غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٥٣٨) كتاب (النكاح) باب (في قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} برقم (١٦٩١٠): حَدَّثَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِنَّمَا عَنَى بِهِ الْإِمَاءَ، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْعَبِيدَ».
(١١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٩٤).
(١٢) السَّعِيْدَيْن: سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير -رضي الله عنهما-.
(١٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٥٧)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٣٣ - ٣٤).