للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال علماؤنا في كتاب العتاق: في عبد بين اثنين دبّر أحدهما نصيبه أن الآخر بالخيار، إن شاء دبّر، وإن شاء استسعى، وإن شاء تركه على حاله، وإن شاء (١) أعتق نصيبه، وقد علمنا أنّه لا يباح له عتق نصيبه، وإنّما عنى به مشيئة القدرة؛ لأنّه لو أعتق نصيبه ضمن للآخر قيمة نصيبه مدبرًا -كذا في «كشف الغوامض» - وذكر في «الفوائد الظهيرية» (٢) في المسألة التي تليها أنّ المرأة إذا طلقت نفسها ثلاثاً على قولهما أو ثنتين على قول أبي حنيفة -رحمه الله- لا يكره، لأنّها مضطرة إلى ذلك؛ لأنّها لو فرقت خرج الأمر من يدها، بخلاف ما لو أوقع الزّوج ذلك؛ لأنّهما يستعملان العدد، يقال: كم مالك؟ وخذ دراهمي ما شئت، أي العدد الذي شئت، فقد فوّض إليها أي عدد شاءت.

فإن قلت: هذا مسلم في كم، وأمّا كلمة ما فهي كما تستعمل للعدد كذلك تستعمل للوقت، لما مرّ في قوله: ما لم أطلقك، قال الله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} (٣)، فقد وقع الشّك في تفويض العدد إليها، فلا يثبت العدد بالشّك.

قلت: هذا معارض بمثله، فإنا لو عملنا فيه بمعنى الوقت لا يبطل بالقيام عن المجلس، ولو علمنا بمعنى العدد يبطل فوقع الشّك في ثبوته فيما وراء المجلس، فلا يثبت بالشك، ثم رجحنا جانب العدد بأصل آخر، وهو أنّ هذا تفويض بمعنى التّمليك؛ لأنّه تفويض إلى المرأة أمر نفسها والتّمليكات مقتصرة على المجلس.

وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَعْمُولَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ لَا بِمَعْنَى الْوَقْتِ؛ لأنّ هذا أمر واحد، هذا احتراز عن (كلّما)، وهو خطاب في الحال احتراز عن (إذا ومتى)، فيعمل بهما، أي: بالتبعيض والعموم فإن الثنتين عام بالنسبة إلى الواحدة وبعض بالنّسبة إلى الثّلاث، ولعموم الصّفة، أي: في قوله: مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ؛ لأنّه وصفها بالمشيئة، وهي عامة، كما في قوله: لما أكلّم إلا رجلاًلا يحنث بالتكلم بجميع رجال الكوفة لهذا، والله أعلم.


(١) سقط من (ب).
(٢) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٠٦).
(٣) [مريم: ٣١].