وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (١) -رضي الله عنه- أنه خطب امرأة فأبى أولياءها أن يزوجوها منه، فقال: إن نكحتها فهي طالق ثلاثاً، فسئل عن ذلك رسول الله -عليه السلام- فقال:«لا طلاق قبل النكاح»، والمعنى فيه أنه غير مالك لينجز الطّلاق، فلا يملك تعليقها بالشّرط، كما لو قال لها: إن دخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً، ثم تزوّجها فدخلت لم تطلق؛ وهذا لأنّ تأثير الشّرط في تأخير الوقوع إلى وجوده، ومنع ما لولاه لكان طلاقاً، وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوًا لا طلاقاً؛ ولأنّ الطّلاق يستدعي أهليّة في الموقع وملكًا في المحلّ، ثم قيل الأهليّة لا يصحّ التّعليق مضافاً إلى حالة الأهليّة، كالصبي إذا قال لامرأته: إذا بلغت فأنت طالق، فكذلك قيل: ملك المحلّ لا يصحّ مضافاً، وبهذا يتبيّن أنه يصرف مختص بالملك لإيجابه قبل الملك يكون لغوًا، كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشتري.
وحجّتنا في ذلك أنّ التّعليق بالشّرط يمين، فلا يتوقف صحته على ملك المحل، كاليمين بالله؛ وهذا لأنّ اليمين يصرف من الحالف في ذمة نفسه، لأنّه يوجب البر على نفسه والمحلوف به ليس بطلاق، للشرط له قيام المحلّ؛ لأنّه لا يكون طلاقاً إلا بالوصول إلى المرأة، وما دام يمينًا لا يكون واصلاً إليها، وإنّما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشّرط، فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك في المحلّ لأجل الطّلاق، ولكن الحلوف به ما سيصير طلاقاً عند وجود الشّرط بوصوله إليها، ونظيره من الحسيّات الرمي عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعاً ما هو قتل ولا مؤخراً له، بل هو يكون مانعًا ما سيصير قتل إذا وصل إلى المحل، ولمّا كان التّعليق مانعًا من الوصول إلى المحلّ والتّصرف لا يكون إلا تزكية، ومحلّه حكمًا أنه بدون ركنه ومحلّه، فكما أن بدون ركنه لا يكون طلاقاً، فكذلك بدون محله لا يكون طلاقاً، وبه فارق ما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدّار فأنت طالق، فإن المحلوف به هناك غير موجود، وما هو يصير طلاقاً عند وجود الشّرط؛ لأنّ دخول الدّار ليس بسبب لملك الطّلاق، ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدلّ به على بقاء الملك عند وجود الشّرط، فأمّا ههنا فيتيقن بوجود المحلوف به؛ لأنّ التزوّج سبب لملك الطّلاق، ولو كان المحلوف به موجودًا بطريق الظّاهر بأن قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنت طالق، انعقدت اليمين، وإن كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك.
(١) عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن العاص بْن وائل الْقُرَشِيّ، وكان أصغر من أَبِيهِ باثنتي عشرة سنة، أسلم قبل أَبِيهِ، وكان فاضلًا عالمًا، قَرَأَ القرآن والكتب المتقدمة، توفي سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان وستين. انظر: أسد الغابة (٣/ ٣٤٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ١٦٥).