للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشّرط أولى بأن ينعقد اليمين، وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنّه لا يملك التّعليق، كمن يقول لجاريته: إذا ولدت ولدًا فهو حرّ صحّ، وإن كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم، وإنّما قال لامرأته الحائض: إذا طهرت فأنت طالق، كان هذا طلاق السنة، وإن كان لا يملك تنجيزه في الحال.

وهذا بخلاف الأهليّة في التصرف؛ لأنّه لابدّ منه في تصرّف اليمين، كما لابدّ منه في تصرّف الطّلاق، فأمّا الملك في المحلّ فمعتبر للطّلاق دون اليمين، وهذا بخلاف البيع فإنّ الإيجاب أحد شطري البيع وتصرف البيع قبل الملك لغو، فأمّا الإيجاب ههنا فيصرف آخر، سوى الطّلاق، وهو اليمين، وتأويل الحديث ما روي عن مكحول (١) والزّهري (٢) وسالم والشعبي (٣) -رحمه الله- أنّهم قالوا: كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوّج تنجيزًا، ويعدّون ذلك طلاقاً، فنفى رسول الله -عليه السلام- ذلك بقوله: «لا طلاق قبل النكاح»، وحديث عبد الله بن عمرو مشهور (٤)، ولو ثبت فمعنى قوله إن نكحتها أي: وطئها؛ لأنّ النكاح حقيقة للوطء، وبهذا لا يحصل إضافة الطّلاق إلى الملك عندنا -كذا في «المبسوط» (٥) -، فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ، أي: لا يشترط لصحّة اليمين قيام الملك كما في اليمين وبالله، وكذلك في اليمين يذكر شرط وجزاء، بأن قال: إذا أكلت هذا الطّعام فامرأته طالق، فالطّعام ليس في ملكه فأكل، حنث، فعلم أنّ قيام الملك في الحال ليس بشرط، كالشّعبي والزهري وغيرهما وهو مكحول وسالم بن عبد الله (٦).


(١) هو أبو عبد الله مكحول بن زيد، يقال: كابلي، ويقال: هذلي، فالكابلي من سبى كابل، والهذيلي قيل: لأنه كان مولى لامرأة من هذيل، سمع أنس بن مالك، وأبا أمامة، روى عنه الزهرى، ومحمد بن إسحاق، وقال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة وعامر الشعبي بالكوفة والحسن بن أبي الحسن بالبصرة ومكحول بالشام. توفى سنة ثمانى عشرة ومائة. يُنْظَر: تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ١١٤)، طبقات الفقهاء (ص: ٧٥).
(٢) هو مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبيد الله بن عبد الله الأصغر بن شهاب بْنِ زُهرة وَيُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ، جَالَسْعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَحَدُ الأَعْلامِ وَحَافِظُ زَمَانَهُ، وَطَلَبَ الْعِلْمَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، توفي سَنَة أربع وعشرين ومئة. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٢٦)، التاريخ الكبير للبخاري (١/ ٢٢٠).
(٣) عامر بْن شراحيل وقيل: عامر بن عبد اللَّه بْن شراحيل، أَبُو عمرو الشعبي الكوفي سمع علي بْن أبي طالب، والحسن والحسين روى عنه أَبُو إسحاق السبيعي، وعبد اللَّه بْن بريدة، وقتادة، وقال مكحول: ما رأيت أحداً أعلم بسنة ماضية من عامر الشعبي. مات الشعبي سنة أربع ومائة. انظر: تاريخ بغداد وذيوله (١٢/ ٢٢٧)، و (الفقهاء (ص: ٨١).
(٤) وهو ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَى أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ: إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ»
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٨).
(٦) هو سالم بن عبد الله بن عمربن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله ويقال: أبو عمر العدوي المدني الفقيه. حدث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب. ينظر: مختصر تاريخ دمشق (٩/ ١٩٠).